عندما أنهى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله خطابه الأخير في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد قائده العسكري فؤاد شكر، الذي توعّد فيه مرّة أخرى العدو الإسرائيلي بردٍّ من خارج سياق العمليات القائمة منذ الثامن من تشرين الأول، معتبرًا أنّ الانتظار هو “جزء من العقاب”، لم يكن يتوقّع على الأرجح أن تأتي الردود الأولى على الخطاب من الداخل اللبناني، ولو أنّه يدرك حجم “الانقسام” في مقاربة فتح “الجبهة” في المقام الأول.
Advertisement
فقبل أن يردّ الجيش الإسرائيلي على الخطاب، مدّعيًا أنّ اللبنانيين يقفون على “رِجل ونصف”، في إشارة إلى قول السيد نصر الله إنّ “كل إسرائيل تقف اليوم على رِجل ونصف” بانتظار ردّ إيران و”حزب الله”، خرج بعض أفرقاء الداخل لينتقدوا مرّة أخرى “توريط” الحزب للبنان في حربٍ لا علاقة له بها، وللقول إنّ نصر الله يخاطر بتدمير لبنان واقتصاده، والتسبّب بحالة من التوتر والقلق، من أجل إزعاج إسرائيل فقط، وكرمى لعيون إيران وأجندتها.
قد لا يكون مثل هذا الكلام بمُستغرَب، باعتبار أنّ اللبنانيين مختلفون في ما بينهم منذ اليوم الأول على أساس فتح “حزب الله” لجبهة الجنوب إسنادًا لغزة، في ظلّ اعتقاد شريحة واسعة من اللبنانيين بأنّ التضامن مع القضية الفلسطينية لا يبرّر أخذ البلاد إلى المجهول، لكن، هل بهذه الطريقة ينبغي أن يواجه لبنان سيناريو الحرب التي يعتقد كثيرون أنها باتت أقرب من أي وقت مضى، وهل الوقت مناسب فعلاً لهذا النوع من الخلافات وتصفية الحسابات؟
موقف “مبدئي”
على الرغم من أنّ موقف خصوم “حزب الله” قد يبدو في مكان ما بمثابة “هدية مجانية” للعدوّ، الذي لا يتردّد في استثمار أيّ انقسام لصالحه، وهو الذي يستند لمواقف بعض هؤلاء في سياق هجومه على الحزب، فإنّ خصوم الحزب يرفضون مثل هذه المقاربة، مشدّدين على أنّ ما يعبّرون عنه في الواقع هو موقف “مبدئي” يتناغم مع الثوابت التي ينادون بها دائمًا، وقوامها تغليب المصلحة اللبنانية، ورفض الالتفاف عليها بأيّ شكل من الأشكال.
وفي حين لا ينكر هؤلاء أنّ المشكلة مع العدو “مزمنة”، وهو الذي لا يخفي أطماعه في الساحة اللبنانية، ولا يوفّر فرصة لضرب لبنان من دون أن يستخدمها، فإنّ المشكلة لا تقلّ شأنًا برأيهم، مع من يوفّر له مثل هذه الفرصة، ويعطيه “الذريعة” للهجوم، كما يفعل “حزب الله” الذي “ورّط” لبنان بالحرب في الجنوب منذ عشرة أشهر، تحت عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني، علمًا أنّ هذا التضامن كان يمكن أن يكون معنويًا، من دون تدمير البلد وقتل ناسه.
بهذا المعنى، فإنّ الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، حتى لو كانت ذريعته باطلة إسرائيليًا، ولو لم يكن الحزب هو المسؤول عن حادثة مجدل شمس، يندرج في سياق المعارك القائمة منذ عشرة أشهر، بحسب ما يقول خصوم الحزب، الذين يشدّدون على أنّ الأخير هو الذي يتحمّل مسؤولية كل تبعات المعركة، وهو الذي يقول اليوم صراحةً إنّ المعركة لا تهدف لزوال إسرائيل، والذي “يحيّد” إيران وسوريا عنها، وكأنّ التضامن مفروض على لبنان حصرًا.
الموقف الوطنيّ المطلوب
لا يجد موقف خصوم “حزب الله” صداه لدى الكثير من اللبنانيين، بما في ذلك بعض من يتفقون “مبدئيًا” مع بعض طروحاته، ومن يختلفون مع “حزب الله” سياسيًا، إذ يقول العارفون إنّ اللحظة الحالية لا يمكن أن تكون لحظة تصفية حسابات وانقسامات، والمطلوب فيها هو على النقيض، الوقوف “وقفة رجل واحد” في مواجهة سيناريو الحرب الذي يتصاعد، علمًا أنّ الوحدة في مواجهة الحرب يمكن أن تفيد في منع حصولها، أكثر بكثير من إظهار الانقسام.
المُستغرَب وفق العارفين، أنّ “مبدئية” خصوم الحزب في الاعتراض على “مصادرته” لقرار الحرب والسلم، حتى مع من يُجمِع اللبنانيون على كونه “العدو”، لا تسري على الكثير من التفاصيل، ولو عُدّت نتائج لفتح الجبهة، فالعدوان على الضاحية لم يستنفر من يصفون أنفسهم بـ”السياديين”، وكذلك مرّ خرق إسرائيل المتكرّر لجدار الصوت، حتى فوق العاصمة بيروت، مرور الكرام، وهو ما لا يمكن أن يبرّره القول بأنّ إسرائيل لا تلتزم بأيّ قوانين.
يشدّد هؤلاء على أنّ هذا الخطاب غير مُجدٍ اليوم، خصوصًا في ظلّ تصاعد سيناريوهات الحرب، متسائلين: “هل هكذا يستعدّ خصوم حزب الله لخوض الحرب إذا ما اتّسع نطاقها أمام المجتمع الدولي، وهل يجوز أن يخرج لبنان أمام العالم منقسمًا حتى في مواجهة الحرب ضدّه؟”. أكثر من ذلك، ثمّة من يسأل عمّا إذا كان المعترضون يعتقدون أنّ هناك من يمكن أن يرأف بلبنان في حال وقوع الحرب، إذا لم يكن اللبنانيون متضامنين في ما بينهم بالأساس.
لعلّ المشكلة الجوهرية في هذا الخطاب، يختصرها ردّ أحد خصوم “حزب الله” على سؤال عن “تموضعه” في حال اندلعت الحرب اليوم، بعيدًا عن تحميل المسؤوليات، وما إذا كان سيكون “مع لبنان أو مع إسرائيل”، ليجيب “نحن ضدّ إيران أولاً”. لا يعني ذلك عدم وجود مشكلة، قد تكون استراتيجية مع إيران بالنسبة للكثير من اللبنانيين، لكنّ الأكيد أنّ ظرف الحرب يفرض مقاربات من نوع آخر، حتى لا يصبح لبنان نفسه سببًا لـ”ضعفه”!