نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً تحت عنوان: “لبنان: مبادرات لاستقبال النازحين من أهالي الجنوب والضاحية الجنوبية”، وجاء فيه:
مرّت أكثر من 10 أشهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، وبعد الاعتداء على الضاحية الجنوبية في بيروت زاد ترجيح سيناريو شن حرب واسعة في لبنان، ما دفع كثيراً من سكان الضاحية الجنوبية والجنوب إلى البحث عن مساكن آمنة في مناطق مثل جبل لبنان وجبيل وعكار والبقاع.
وفي وقت رفع فيه بعض مالكي المنازل والمكاتب العقارية إيجارات الشقق إلى أكثر من 1500 دولار شهرياً، وطالبوا بدفع المبالغ ستة أشهر سلفاً، ما عكس بعض مظاهر الاستغلال والجشع، ظهرت مبادرات فردية تضامنية من مناطق وفئات مختلفة.
رغم موقفه السياسي المعارض لـ “حزب الله”، يقول ميشال شمعون من منطقة كفرحباب (قضاء كسروان، محافظة جبل لبنان) لـ”العربي الجديد”: “عرضت ست شاليهات أملكها في منطقة نهر إبراهيم (قضاء جبيل، محافظة جبل لبنان) للنازحين من الجنوب. الموقف اليوم وطني وإنساني، ويجب الترفّع عن الاختلافات السياسية وتخفيف الاحتقان الطائفي على وسائل التواصل الاجتماعي. لا يمكنني أن أرى أطفالاً وكباراً في السن مشردين أو عرضة للخطر من دون تقديم عون إليهم”. يضيف: “استقبلنا نازحين سوريين عام 2011 فهل يُعقل ألا نستقبل أهلنا اللبنانيين المعرضين للخطر الإسرائيلي؟”.
ومن محافظة جبل لبنان إلى محافظة البقاع امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بعشرات الإعلانات عن فتح منازل مع توفير كل مستلزمات السكن، وعرض أشخاص استقبال النازحين في بيوتهم الخاصة، وأحدهم يعقوب علوه في منطقة الهرمل الذي يقول لـ”العربي الجديد”: “لا نتعامل مع النازحين كغرباء فهم ضيوف لدينا ونسعى إلى تأمين مساكن تليق بكرامتهم”.
وعرض يعقوب وأشقاؤه خمسة منازل يملكونها لاستقبال عائلات نازحة. ولم يكتفوا بعرض منازل غير مسكونة، إذ أعلن يعقوب تحديداً استعداده لمشاركة المنزل الذي يسكن فيه مع زوجته وبناته الثلاث مع أفراد عائلة أخرى.
ويشدد علوه على أن منزله غير معروض لاستقبال فئة أو طائفة معينة، بل هو لجميع سكان الجنوب بمختلف أطيافهم، و”هذا دافع أخلاقي وإنساني ومبادرة فردية مني غير نابعة من توجه سياسي أو حزبي معين”.
ولم تقتصر حملات التضامن على اللبنانيين المقيمين، بل شملت أيضاً مغتربين عرضوا منازلهم الخالية في بيروت لاستقبال نازحين، ومن بينهم المغترب في فرنسا طوني خاطر الذي يقيم في منطقة جل الديب (قضاء المتن، محافظة جبل لبنان)، والذي يقول لـ”العربي الجديد”: “باتت المناطق مقسّمة باسم الأحزاب اللبنانية سواء في الجنوب أو كسروان وجبيل أو الشمال، لكن ما يحصل لأهل الجنوب من مختلف الطوائف لا يمكن أن نسكت عنه ونغمض أعيننا عن معاناتهم. أقدم منزلي في منطقة جل الديب الذي أسكن فيه خلال زيارتي لبنان كل ستة أشهر لأهل الجنوب مجاناً، وأتكفل بدفع فواتير الكهرباء والمياه. ووكلت صديقي في بيروت بالتواصل مع الجنوبيين، وأتت عائلات لرؤية الشقة من أجل السكن فيها”.
وبعدما عرض مبادرته على موقع إكس، تعرّض خاطر لكثير من الانتقادات السلبية وصل بعضها إلى الشتم من قبل لبنانيين يرفضون استقبال النازحين، ويقول: “تجاهلت التعليقات السلبية، علماً أنني تلقيت أيضاً رسائل شكرت موقفي الإنساني. يمكن أن أحتاج في أحد الأيام للسكن في الجنوب لسبب معين، وأنا لا أعتقد بأن أهله لن يرحبوا بي، بل يعرضون منازلهم لجميع اللبنانيين. هدفنا اليوم ليس المساهمة بالاقتتال المعنوي على وسائل التواصل الاجتماعي وبين المناطق، بل التضامن الكامل في وجه إسرائيل”.
والوضع مماثل في محافظة عكار (شمال لبنان)، فالشابة يارا عبدو لم تتوقع أن يتجاوب أهالي عكار لتأمين بيوت سكنية لأهل الجنوب في ظل الاختلاف السياسي بين المناطق.
واستطاعت يارا أن تجمع معلومات عن منازل خالية من السكان أو أصحاب المشاريع السكنية الكبيرة من أجل تأمين منازل مجانية لأهل الجنوب والضاحية، وتقول لـ”العربي الجديد”: “لم أستطع أن أبقى متفرجة على مشاهد الأطفال الجرحى والشهداء في الضربة الأخيرة التي استهدفت الضاحية الجنوبية، وحاولت أن أقوم بواجبي الأخلاقي والإنساني. وجرى تأمين أربعين منزلاً في عكار، وسيبدأ أهالٍ في مناطق جنوبية، مثل عيترون وصريفا ودير قانون النهر، بالتوافد إلى المنطقة من أجل السكن فيها في هذه الفترة الحرجة التي تعيشها مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية”.
ولم تقف الحملات عند تأمين شقق سكنية، بل عرض أشخاص توفير نقليات مجانية بباصات من الجنوب إلى البقاع، أو إلى أي وجهة يُريدها أهل الجنوب، كما عرض أصحاب متاجر تقديم مستلزمات شرائية مجاناً. (العربي الجديد)