المفاوضات الجارية في الدوحة، التي ستشهد جولة جديدة، يمكن وصفها بما يتردّد في قرانا عن عرس لم تكتمل ظروفه، إذ أن أهل العروسين متفقون على كل التفاصيل، ولكن يبقى أمر واحد غير محسوم، وهو أن العروسين لم يقولا بعد لبعضهما البعض “النعم” الأبدية، حتى أنهما لم يقرّرا بعد إذا كان فعلًا يريدان أن يسيرا معًا في المشروع الزواجي بعيدًا عن تأثير ما يمارسه الأهل من ضغط نفسي عليهما، بحجة أنهم متفقون في ما بينهم على أن يكون مصير ابنيهما مشتركًا منذ أن كان في سن المراهقة.
Advertisement
فما يحصل في الدوحة هو أن كلًا من الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر تريد ان يتم “العرس الغزاوي” في أسرع وقت، ولكن من دون أن تحظى هذه الإرادة بموافقة حتى ولو مبدئية بين طرفي النزاع، أي إسرائيل من جهة، وحركة “حماس” من جهة ثانية، اللتين اتفقتا من دون سابق تنسيق على التشكيك في نتائج الجولة الأولى من المفاوضات، ولكن من دون أن يعني ذلك أن مناخ المفاوضات وما واكبه وسيواكبه من ضغوط ديبلوماسية كبيرة لم يُحدث نقلة نوعية، ولو نسبية، أقّله على صعيد تأخير “الانفجار الكبير” لذي يمكن أن ينتج عن ردّ كل من ايران و”حزب الله” على اغتيال إسرائيل كل من إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبدا واضحًا من خلال البيان الأميركي – المصري – القطري المشترك مدى حاجة المجتمع الدولي إلى الوصول سريعًا إلى نتيجة إيجابية بالنسبة إلى مسار الحرب القائمة في غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، إذ “لم يعد هناك وقت نضيعه ولا أعذار يمكن أن تقبل من أي طرف تبرر مزيداً من التأخير، لقد حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وبدء وقف إطلاق النار، وتنفيذ هذا الاتفاق. الآن أصبح الطريق ممهداً لتحقيق هذه النتيجة، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوترات الإقليمية”.
إلاّ أن تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن كان أكثر واقعية عن نتائج مفاوضات الدوحة، التي أجريت يومي الخميس والجمعة الماضيين، فشكّل اختصاراً دقيقاً لخلاصات هذه الجولة بما يضع حداً لسيل الاجتهادات التي أثيرت عقبها إذ قال “لم نتوصل بعد الى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكننا أقرب الى تحقيق ذلك”. لكن مسارعة كل من “حماس” وإسرائيل الى التشكيك والتفخيخ بالبيان الثلاثي المشترك لم يحجب حجم الضغوط الضخمة التي تمارسها الدول الثلاث ولا سيما منها الولايات المتحدة لإحداث اختراق حقيقي. وما هو واضح أن الجولة الأخيرة قد حققت شيئاً مهماً للغاية لكنه لا يزال قيد الاكتمال بدليل الإعلان عن جولة مفاوضات جديدة قبل نهاية الأسبوع المقبل في القاهرة، خصوصًا أن ما شهده قطاع غزة على مدى عشرة أشهر من تدمير ممنهج، وما نتج عنه من خسائر بشرية ومادية هائلة لا يمكن محوها في جلسة مفاوضات وأحدة. وقد يحتاج الأمر إلى المزيد من الوقت لكي تكتمل عناصر التسوية المرتقبة.
فالحراك الديبلوماسي الحاصل في لبنان لم يخرج عن الهدف المنشود له الا وهو العمل على إرساء التهدئة وابقاء لبنان بمنأى عن أي تصعيد وسحب فتيل التفجير، وهذا الحراك قد يتكثف في كل الاتجاهات، خصوصًا أن ما يحمله الموفدون العرب والأجانب معهم في لقاءاتهم المتكررة وع رئيس الحكومة ليس إلا تأكيدًا على أهمية تجنيب البلد الحرب وأهمية الالتزام بالقرار ١٧٠١. وهذا الحراك، كما تراه مصادر ديبلوماسية، يختلف عن غيره لأنه ينطوي على تصميم أكبر لدرء الخطر عن لبنان لأكثر من سبب ولاسيما ما يتصل باعتبارات الدول الكبرى، التي تبذل جهودًا مضاعفة لمنع التصعيد على الجبهة الجنوبية، لعلمها المسبق أن أي تطور دراماتيكي بعدما دخلت معادلة الانفاق، التي أعلن عنها “حزب الله”، كمادة جديدة في الميدان العسكري، لن تقتصر مفاعيله على لبنان وحده.