“ميشو” أو ” ميشال ” أو ” العميد حروق “، تلك هي التسميات الثلاثة التي كان يُنادى بها قائد لواء الحرس الجمهوري، في عهد الرئيس الياس الهراوي، العميد ميشال حروق، والذي مكث في هذا المنصب تسع سنوات كانت كافية ليكوِّن ذخيرة هائلة من المعلومات والمعطيات والوقائع ، ووجع الرأس والمتاعب ، ضمَّها بين دفتَي كتاب سيصدر قريبًا بعنوان :
“حقائق وأسرار في خدمة وطني”.
تعرفتُ إلى العميد حروق أثناء زيارة الرئيس الياس الهراوي إلى نيويورك ، والذي رأس وفد لبنان إلى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، في تلك الرحلة كانت المرة الأولى التي تهبط فيها طائرة ” الميدل إيست ” في مطار ” جي إف كي” ، لكن الحظر عليها بقي. كان تعاطي العميد مع زملائي الإعلاميين ومعي أبعد من عميد في الجيش يعطي التعليمات الصارمة ، بل كان اقرب إلى الأخ الأكبر ، وقد كان كل زميل يراجعه عند كل عقبة تواجهه. هكذا استمر العميد حروق حتى خروجه من قصر بعبدا مع الرئيس الراحل الياس الهراوي عند انتهاء ولايته.
دفتَّا الكتاب ، لا تتضمن ذكريات ومذكرات العميد حروق كقائد للواء الحرس الجمهوري فقط ، بل يُبحِر عميقًا في الذاكرة منذ ولادته في التاسع من أيار 1946 ” السادس من عائلة مؤلفة من سبعة أولاد” ، وصولًا إلى اليوم، حاملًا أثقال ثمانية وسبعين عامًا أمضى معظمها في المؤسسة العسكرية متنقلًا بين قطعاتها ، إلى أن استقر كقائد للواء الحرس الجمهوري.
يعتمد العميد حروق السردية الزمنية ، منذ دخوله إلى المدرسة الحربية وصولًا إلى مسؤوليته الأبرز كقائد للواء الحرس الجمهوري . في كل هذه المراحل ، حرِص على تأكيد ما يكتب بطريقة موثقة وكأنه يريد أن لا يترك ثغرة واحدة عما ورد في الكتاب : من “حرب السنتين” إلى “حرب المئة يوم” في الأشرفية إلى حرب زحلة وصولًا إلى انتخاب الشيخ بشير الجميِّل رئيسًا للجمهورية ثم عهد الرئيس امين الجميل والحكومة العسكرية وحربي التحرير والألغاء .
يتوقف العميد حروق طويلًا عن دوره في مواكبة التحضير والإعداد لاتفاق الطائف ، كما يتوقف مطوَّلًا عند دوره وخطته في التحضير لتسفير العماد ميشال عون من السفارة الفرنسية إلى فرنسا ، وقبل ذلك في التحضير لسفر الشيخ بشير الحميل إلى قبرص ، في طريقه إلى واشنطن .
قد يسبب بعض ما ورد في الكتاب متاعب للعميد حروق ، فهو روى بعض الحقائق كما هي ” من دون مساحيق تجميل ومساحيق إخفاء العيوب” ، وكشف أدوارًا لضباط في مواقع مسؤولية هامة ربما كانوا يفضِّلون أن تبقى طي الكتمان ، لأن كشفها يحرجهم ، على سبيل المثال لا الحصر ، كدور ومسؤولية الرئيس العماد أميل لحود في الاعتداء على زوجة السفير جوني عبدو . كما أن رأيه في بعض الضباط لم يكن ” مسايِرًا ” على الإطلاق بمعنى أنه آثر المسلكية على الصداقة.
أهمية ما كتبه العميد حروق أنه يروي ما عايشه وعاينه وشاهده ، لم يحلل ولم يستنتج بل روى المعايشة والمشاهدة بأم العين . كما أنه أعطى أفضالًا لمن يعتبر انهم يستحقونها .
الكتاب من إهداء ومقدمة وسبعة فصول وخاتمة . عنوان الفصل الاول ” من المدرسة الشرقية إلى المدرسة الحربية” وفيه افاض في الحديث عن شقيقه العميد جورج حروق وشقيقته الأخت دانييللا حروق. وصولًا إلى التخرج أيام العماد أميل بستاني .
عنوان الفصل الثاني ” خدمتي على الحدود الجنوبية ” فأسهب في الحديث عن ” المعاناة من سوء تصرف عناصر المقاومة الفلسطينية التي سمحت لنفسها بتجاوز أتفاق القاهرة مستفيدة من البيئة الحاضنة لها ، ومن سوء تصرف القيادة العسكرية والسياسية” .
في هذا الفصل يتحدث حروق عن العلاقة المتوترة بينه وبين المقدم ، آنذاك ، المقدم أنطوان بركات ، ويشرح خلفية التوتر .
في هذا الفصل دراسة مسهبة باللغة الفرنسية ” للنقيب ميشال حروق” كتبها بتاريخ 6 أيلول 1976 ، حدَّد فيها الأسباب التي أدت إلى تفكك الجيش ، والخطوط العريضة لمشروع إعادة تنظيم الجيش.
في هذا الفصل ( الثاني) يشرح العميد حروق بإسهاب
” حادثة الفياضية ” بعد انقلاب الأحدب ، وكيف دخلت إليها مجموعات من الأحزاب المسيحية واستولت على أسلحة وذخائر. كما يُفرِد شرحًا عن ” جيش لبنان العربي”.
من الفصول المهمة في الكتاب، الفصل الثالث تحت عنوان ” خدمتي في مديرية المخابرات من 10 حزيران 1977 لغاية 24 كانون الأول 1982 ، ومن أبرز ما في هذا الفصل علاقة حروق مع
” الرائد ” جوني عبدو ، ويتحدث عنه بإعجاب مفرِط ، فيقول : ” لم تعرف مديرية المخابرات مثله ومثل المجموعة التي كانت خلال فترة رئاسة الرئيس الفذ الياس سركيس . لقد خسرت البلاد مع إزاحة جوني عبده وفريقه لأسباب شخصية وحساسية ناتجة عن حسد النجاح الذي توج بانتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل .
في هذا الصدد يكشف العميد حروق عن عشاء في منزل عبده على شرف الرئيس سركيس بعد انتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية ، خاطب بشير سركيس قائلًا : كنتم يا فخامة الرئيس الضمانة لاستقلال لبنان وأدعوا لكم ان تبقوا بجانبي ” .
يروي العميد حروق واقعة عن الرئيس الجميل ، فيقول : ” سألني الرئيس سركيس إذا كنت أرغب في شيء من الرئيس الجميل ، فأجبته : شكرًا ، لكن يجب نصح الرئيس الجميل بتغيير طريقة قيادته للبلاد ، عندها أجابني الرئيس سركيس: ” ألا تذكر تصريحه أنه لو كان مكاني لحل مشكلة البلاد في 24 ساعة” ؟
يتحدث العميد حروق بإسهاب عن علاقته بالشيخ بشير الجميل وكيف كانت العلاقة متوترة بينه وبين مديرية المخابرات ثم تحسنت بفضل صِلات الوصل ومن بينهم زاهي البستاني الملقب ” بالطويل” والدكتور جان غانم.
ومن أبرز ما يكشفه العميد حروق ، تفاصيل سفر الشيخ بشير الجميل الى الولايات المتحدة الاميركية عبر قبرص، وكيف تعثرت بعدما كان الشيخ بشير وصل إلى قبرص عبر طوافة ، ترافقه زوجته وجان بسمرجي.
تجددت المحاولة ولكن بحرًا، بواسطة مركب صغير ، لملاقاة قطعة بحرية من الأسطول الاميركي، ومنها انتقل إلى قاعدة جوية أميركية ومنها سافر إلى الولايات المتحدة الاميركية.
في الفصل ذاته يتحدث عن انتخاب الشيخ بشير رئيسًا للجمهورية ، وكيف وصل النواب إلى الجلسة ؟ ومَن اعترض ؟ ومَن امتعض؟
حادثة اغتيال الشيخ بشير يرويها العميد حروق بتفاصيلها المثيرة لحظة بلحظة ، وكيف قَرَّ الرأي بعد ذلك لانتخاب الشيخ أمين .
في الفصل السابع يتحدث العميد حروق عن دورة الأركان في فرنسا والعودة إلى التعليم ، في ما يشبه الإبعاد عند انتخاب الشيخ أمين ، وصولًا إلى تعيين العميد ميشال عون قائدًا للجيش ، وكيف أن الرئيس الجميل قال للسفير فاروق أبي اللمع في باريس ، إن تعيين العميد عون قائدًا للجيش مطلب سوري، ويوصِّف بشكل دقيق، ومن موقع العارف ، شخصية العماد عون. كما يروي بدقائق مثيرة كيف سقط الجيش في كسروان وجبيل في وجه القوات اللبنانية.
الفصل الخامس : مرحلة لواء الحرس الجمهوري
في هذا الفصل يكشف العميد حروق ، وفق رسالة وصلت إلى أخيه العميد جورج حروق في 11 تشرين الأول 1990، أن أميركا والفاتيكان وافقا على عملية إسقاط العماد ميشال عون وأن الاسرائيليين سيسمحون بتدخل الطيران السوري.
يروي العميد حروق ، من موقع العارف جدًا ، عملية 13 تشربن الأول 1990، وكيف انه عند السابعة إلى خمس عشرة دقيقة قصفت طائرة سوخوي محيط القصر الجمهوري . اتصل عون بالسفير الفرنسي الذي طلب منه التوجه إلى مقر السفارة للقيام بالاتصالات فانتقل بواسطة ملالة أم 113. لم ينضم اللواء أبو جمرا إلى العماد عون في السفارة الفرنسية إلا عند الثانية عشرة ظهرًا. ثم انضم اللواء أدغار معلوف فأصبحت ” كل الحكومة ” في السفارة الفرنسية.
كما يروي كيف استولى الجيش السوري على محفوظات مديرية المخابرات في قيادة الجيش والتي تدون تاريخ الجيش اللبناني وملفات سرية يعود تاريخها إلى تاريخ تأسيس الجيش، لتصبح ملفات ضباط الجيش والشخصيات اللبنانية في متناول الدولة السورية.
ثم ينتقل إلى كشف عملية ” أورتنسيا ” ، أي تسفير العماد ميشال عون إلى فرنسا. والتي تمت من السفارة الفرنسية في الحازمية ، إلى الضبيه قبالة مجمع ال ABC حيث تم النقل بواسطة مركب إلى غواصة في المياه الأقليمية .
يروي العميد حروق كيف اضطهده العماد أميل لحود ويعدد اسباب ذلك .
كما يبدي العميد حروق أكثر من ملاحظة على ” المقدم ” جميل السيد ، فيقول : ” كنت اعتقد بأن المقدم جميل السيد الذي عرفته كتلميذ وأبقيته في مديرية المخابرات ، كان ولا يزال من فريق عملي، غير أن ما سمعته وما رأيته من تصرف لاحق جعلني أندم على ان أكون عرابًا لهذا الضابط الفذ ” .
في هذا السياق يكشف العميد حروق ” أن الحادث الذي تعرضت له السيدة سوزان عبدو، زوجة السفير جوني عبدو ، كان بناء على أوامر الرئيس إميل لحود ”
يُفرد العميد حروق صفحات عن التحصير لاتفاق الطائف ، وكيف غادر إلى قبرص حيث كان الرئيس الحريري الذي أقله بطائرته إلى باريس ، ومن مطار لوبورجيه اقله موكب إلى مدينة DOURDANحيث وافانا السيدان سمير فرنجيه والفضل شلق ، واستمرت الاجتماعات خمسة ايام ، وكان الرئيس الحريري يوافينا كل يوم .
العميد حروق كأنه يعتصره الألم في ختام الكتاب ، والندم أحيانًا ، يقول : ” لقد راهن فريق ” خلية دوردان على تفاهم السلطات وتعاونها لا على اقتتالها والتلطي بالديموغرافية والآلات الحاسبة.
مقتطفات:
” مَن في لبنان لا يعرف الأخت دانييلا ” ؟
يتضمن الكتاب دراسة للعميد حروق كتبها في 6 أيلول 1976 عن أسباب تفكك الجيش اللبناني وعن مشروع إعادة تنظيم الجيش ( الدراسة باللغة الفرنسية )
” أصر الرئيس حافظ الأسد على الرئيس الياس سركيس تسليم الضباط المشؤولين عن حادثة ثكنة الفياضية … لأعدامهم “
” حادثة هزت الشعبة الثانية … مقتل الملازم قزحيا شمعون “
” أيد الشيعة بأكثريتهم انتخاب الشيخ بشير ولاسيما الرئيس كامل الأسعد والمفتي عبد الأمير قبلان”
” تم التحضير لزيارة الشيخ بشير لواشنطن مع السفارة الأميركية في لبنان بشخص نسؤول الاستخبارات في السفارة Jack Ugino ( حاك أوجينو) “.
“في 11 تشرين الأول 1990 إحدى الراهبات سلمتني رسالة من السفير البابوي بابلو بوانتي مضمونها أن العملية العسكرية السورية أصبحت قريبة جدًا وأن الطيران السوري سيتدخل والجميع موافقون على حسم المعركة ، أميركا والفاتيكان وافقا واسرائيل ستسمح بتدخل الطيران السوري . أجابني العماد عون: هذا ليس موقف الفاتيكان ، وهذا السفير فاتح على حسابو ، إطمئن ، ليس هناك عملية عسكرية”