تصعيد إسرائيلي مفتوح.. هل يدشّن مرحلة جديدة من المواجهات؟

22 أغسطس 2024
تصعيد إسرائيلي مفتوح.. هل يدشّن مرحلة جديدة من المواجهات؟


في وقتٍ لا تزال الأنظار مشدودة بانتظار ردّي إيران و”حزب الله” المفترضين على جريمتي اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، والقائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، اختار العدوّ الإسرائيلي أن يقفز إلى الأمام، فرفع من وتيرة هجماته وعملياته على طول التراب اللبناني، لتشهد الأيام القليلة الماضية على سلسلة ضربات عابرة للمناطق، وهو ما تجلّى بشكل خاص من خلال الغارات الليلية المكثّفة على البقاع.

 
ومن البقاع انتقلت صدارة الاهتمام في الساعات الماضية إلى عاصمة الجنوب صيدا التي شهدت يوم الأربعاء اغتيالاً هو الثاني من نوعه، على المستوى الجغرافي، والأول على المستوى “النوعي” إن صحّ التعبير، بعدما استهدف للمرّة الأولى مسؤولاً فلسطينيًا من خارج حركة “حماس”، وتحديدًا من “كتائب شهداء الأقصى”، الجناح العسكري لحركة فتح، خليل المقدح، شقيق القيادي في الحركة، وقائد كتائب شهداء الأقصى في لبنان اللواء منير المقدح.
 
وإذا كانت جريمة اغتيال المقدح لافِتة لكونه أول مسؤول فلسطيني يُستهدَف من خارج إطار حركة حماس، ما يعطي الصراع بعدًا أوسع وأكبر، فإنّها معطوفة على تصاعد العمليات الإسرائيلية في البقاع والجنوب، تطرح علامات استفهام بالجملة عن مغزى التصعيد الإسرائيلي “المفتوح” في هذه المرحلة، وما إذا كان الإسرائيليون يدشّنون من خلاله مرحلة جديدة من المواجهات، التي تبدو بلا أفق، على وقع تعثّر مفاوضات وقف إطلاق النار.
 
تصعيد “مفتوح”
 
يبدو واضحًا لمن يتابع تطور المواجهات، سواء على خطّ جبهة الإسناد اللبنانية المفتوحة جنوبًا تضامنًا مع الفلسطينيين في قطاع غزة، أو على المعارك المفتوحة على هامشها مع حركات المقاومة الناشطة في لبنان، أنّ ثمّة تغييرًا طرأ في الأيام الماضية، وفتح الباب أمام تصعيد يصحّ وصفه بـ”المفتوح”، وخير دليلٍ على ذلك أنّ ارتفاع وتيرة القصف الإسرائيلي للعديد من المناطق والمواقع، وكذلك تفعيل سلاح الاغتيالات، سواء للمجموعات اللبنانية أو الفلسطينية.
 
بهذا المعنى، فإنّ التصعيد “المفتوح” يُقرَأ من العديد من الزوايا، إذ يمكن أن يسري على طبيعة المناطق والمواقع التي يتمّ استهدافها، والتي لا تبدو محصورة في نطاق جغرافيّ معيّن، حيث تنضمّ مناطق جديدة إلى دائرة الاستهدافات بصورة دوريّة، ولكنّه يسري أيضًا على طبيعة الاستهدافات نفسها، وبينها ما قيل إنّها مستودعات ومخازن أسلحة، فضلاً عن الاغتيالات، التي لم تعد محصورة أيضًا بـ”حزب الله” وحركة “حماس”، بل شملت حركة “فتح” نفسها.
 
استنادًا إلى ما تقدّم، ثمّة من يضع التصعيد الإسرائيلي المستجدّ في خانة الاستعداد الإسرائيلي لتوسيع إطار المواجهة إلى حدّه الأقصى، ومن يدرجه بصورة أو بأخرى في خانة “الضربات الاستباقية” التي كثر الحديث عنها إذا ما طال انتظار ردّ “حزب الله” على اغتيال قائده العسكري، وهو ما يتلاقى أيضًا بشكل أو بآخر مع كلام وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن أنّ الضربات الأخيرة في العمق اللبناني “هي استعداد لأيّ تطورات قد تحدث”.
 
الحرب الشاملة تقترب؟
 
بموجب هذه القراءة، ثمّة من يرى أنّ العدو الإسرائيلي يوجّه رسائل “نارية” لكلّ الأطراف، من خلال توسيع إطار المواجهة بهذا الشكل، ومن هؤلاء “حزب الله” الذي سعى لردعه قبل أيام بفيديو “عماد 4” الذي حمل بين طيّاته رسالة جهوزية للتصدّي لأيّ حرب، بمعنى أنّ الإسرائيليين يقابلون هذه الرسائل برسائل موازية، مفادها أنّهم “جاهزون” أيضًا لكلّ السيناريوهات والخيارات، بما فيها خيار “الحرب الواسعة والشاملة” إن وقعت.
 
لكن ثمّة من يقرأ في الرسائل الإسرائيلية هذه ما هو أبعد من مجرد “الجهوزية”، بل يتلقفها على أنّها مسعى إسرائيلي لاستدراج الأطراف الأخرى لهذه الحرب، وما توسيع المواجهة واستفزاز الأطراف سوى “خريطة الطريق” لمثل هذا السيناريو، ويستند هؤلاء إلى أنّ الحرب على غزة استنفدت “بنك أهدافها” إن صحّ التعبير، وأنّ الإسرائيلي بات أكثر جهوزية لحربٍ أوسع وأشمل، طالما أنّه لم يحقّق أهدافه المُعلَنة حتى الآن.
 
وفي السياق، ثمّة من يعتبر أنّ الهدف الإسرائيلي من تصعيده المستجدّ قد لا يكون فعليًا الذهاب نحو الحرب الإقليمية الشاملة، بقدر ما هو محاولة للضغط على جميع الأطراف، الذين يتقاطعون على رفض هذه الحرب، وكأنّه يقول لهم أنّ تجنّب هذه الحرب يتطلّب مقاربة أخرى على طاولة المفاوضات المفتوحة حول غزة، بما يتيح له ربما “فرض شروطه وإملاءاته”، التي كانت أساسًا سببًا في تعثّر هذه المفاوضات، وصولاً لحد سقوطها بعد موقف “حماس” السلبي منها.
 
هي بالفعل مرحلة جديدة من الحرب يدشّنها التصعيد الإسرائيلي المفتوح، الذي تتبدّل معه خريطة الأولويات بصورة أو بأخرى، فالمشهد اللبناني بات في مكانٍ ما يتقدّم على المشهد في غزة، نظرًا لكثافة عمليات القصف والاغتيالات الإسرائيلية العابرة للمناطق. وسط كلّ ذلك، ثمّة من يسأل عمّا إذا كانت الاستفزازات الإسرائيلية يمكن أن “تعجّل” في ردّ “حزب الله”، الذي يُعتقَد على نطاق واسع أنّ ما بعده قد يحدّد اتجاه البوصلة في القادم من الأيام!