كتب نبيل بومنصف في “النهار”: يحار اللبنانيون، ساسة وقوى ونخباً وعامة وإعلاماً وصحافة وباحثين وخبراء، في تصنيف أحوالهم وسط الإبحار قدماً نحو مجهولهم المتمادي. وفي هذا قد يكون من التعويض والثأر النفسي والمعنوي للتعويض على عقدة نقصنا وقهرنا من جراء قدر ظالم معتم يزج بلبنان كل رزمة سنين في “حروب الآخرين.
ان اللبنانيين ليسوا وحدهم هذه المرة في تلك الحيرة. ذلك أن الدول نفسها والجهات المتورطة كافة في معترك حرب لا مثيل لها في تاريخ الصراع في المنطقة تبدو كاللبنانيين وأكثر في مواجهة مجهول عملاق يستحيل معه التنبوء بأي نتائج أو خلاصات لهذه الفوضى الحربية الزاحفة على امتداد دول وإقليم برمته.
لن نقف طويلاً عند أسابيع ثلاثة منذ الاغتيال المزدوج لفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت وإسماعيل هنية في طهران ليل 30-31 تموز الماضي والسؤال ما الذي “أخر” الرد، مزدوجاً كان أو منفرداً، لأنه ليس العامل الوحيد الذي يعكس حسابات “الدولة العميقة” في إيران وحارة حريك حيال مرحلة حربية وصراع نفوذ إقليمي، هي الأطول مع إسرائيل. ولكن ما صار يعني اللبنانيين أكثر من الغرق ضياعاً في بورصة يوميات الرصد للعمليات المتبادلة غارات وقصفاً بين إسرائيل و”حزب الله” كأنها جولات الحرب الجديدة البديلة من حرب شاملة لا يقوى عليها أيّ منهما ولا تسمح بنشوبها حسابات في عمق الأعماق مهما لعلعت نبرات “العنترة” على ضفتي “الشريط الأزرق”… ما صار الأهم للبنانيين هو التثبت الى متى ستطول حرب الاستنزاف هذه وماذا يمكن أن يتأتى عن توسعها وتمددها طويلاً الى مناطق جديدة إذا ما سقطت تماماً احتمالات الحرب الكبرى؟
يحتم هذا القلق المتعاظم أمران يزحفان معاً على المشهد الحربي: الأول أن إسرائيل و”حزب الله” يخوضان غمار توسيع “الشريط الحدودي” المنزوع من البشر والحجر والممتلكات وكل شيء وتحويله دماراً يباباً في مناطق المواجهة المباشرة في جنوب لبنان وشمال إسرائيل على امتداد عشرة كيلومترات وأكثر في جنوبي الليطاني، بما يعني معادلة شل متبادلة تكفي لإطلاق مفاوضات الحسابات الميدانية الطارئة يوماً ما. والثاني أن شريطاً حدودياً جديداً “في الأعماق” بدأ ترسيمه مع تكثيف الغارات الإسرائيلية على بعلبك والبقاع الشمالي وجولات قصف “حزب الله” للجولان وعمق الجليل. أليس هذا البديل “الملائم وطويل العمر”؟