بعد “الردّ الأربعيني” لـ “حزب الله” بساعات قليلة أطلّ أمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي شاء ألا يترك لمخيلة البعض الذهاب بعيدا في التحليل والاستنتاج والشطط، واضعًا النقاط على حروف هذا الردّ، الذي طال انتظاره، وراسمًا الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة توازيًا مع ما يجري في القاهرة وفي الدوحة من مفاوضات، وإن بدت متعثّرة، ستؤول في نهاية المطاف إلى صيغة أممية لوضع حدّ لمأساة غزة، التي طالت.
وقد اختلف الداخل والخارج على قراءة المواقف التي ساقها السيد نصرالله في خطابه، فأعتبر بعض الذين يعارضون في الأساس “مصادرة” قرار السلم والحرب أن ما ورد في كلامه لم يكن في مستوى التطورات قياسًا إلى ما يمكن أن يترتب عنها من معادلات وتوازنات جديدة تفرضها طبيعة المرحلة، فيما رأى من يدور في فلك قوى “الممانعة” أن “سيد المقاومة” قد وضع النقاط على حروف الحرب النافرة، وأعطاها بعدًا جديدًا لا يقّل أهمية عمّا سبق من مواقف كانت تصب بمجملها في خانة تقوية الموقف اللبناني الرسمي تجاه عدو لا يفهم إلا بلغة الحديد والنار.
وبين هذين الموقفين المتناقضين، نهجًا وممارسة، توقفت أوساط مراقبة عند خطاب نصرالله، مبدية الملاحظات التالية:
أولًا، تبرير التأخير في الردّ، حيث أكد “أن الرد هو جزء من العقاب وكنا نحتاج إلى بعض الوقت لدراسة ما إذا كان المحور سيرد كله أو كل جبهة لوحدها وتريثنا لإعطاء الفرصة للمفاوضات، لأن هدفنا هو وقف العدوان على غزة”.
ثانيًا، ضوابط الردّ بحيث لا يكون “مدنيًا” ولا يطال “بنى تحتية”، بل أن يكون الهدف عسكريًا على صلة بعملة الاغتيال.
ثالثًا، تحديد الهدف، “فوجدنا مجموعة من الأهداف وفق مواصفاتنا قرب تل أبيب وحددنا قاعدة “غليلوت” وهي قاعدة مركزية للاستخبارات “الإسرائيلية” وفيها الوحدة 8200″، وهي تبعد عن حدود لبنان 110 كلم وعن حدود تل أبيب فقط 1500 متر ما يعني أنها من ضواحي تل أبيب”.
رابعًا، نجاح المهمة إذ كشف نصرالله “أن المقاومة الإسلامية أطلقت في العملية، وللمرة الأولى مُسيّرة من منطقة البقاع وعلى رغم بعد المسافة تجاوزت الحدود الفلسطينية المحتلة. مؤكدًا أن أي منصة إطلاق للمقاومة الإسلامية لم تصب قبل العملية ولم تتعرض مرابض المسيّرات لأي أذى لا قبل العملية ولا بعدها. وبناءً على معطياتنا فإنَّ عددًا معتدًّا به من المُسيّرات وصلت إلى الهدفين المحدّدين، ولكن العدو يتكتم إلا أنَّ الأيام والليالي هي التي ستكشف حقيقة ما جرى هناك”.
خامسًا، التهديد بما هو أدهى من “الكاتيوشيا” والمسيرات، فقال نصرالله في خطابه إن “المقاومة أخذت قرارًا وأقدمت فقام العدو بإغلاق “تل أبيب” والمطارات وفتحوا الملاجئ لمجرد استخدامنا الكاتيوشا والمُسيّرات فكيف إذا استخدمنا أكثر من ذلك”؟
سادسًا، عدم استهداف المدنيين، إذ أن العدو في رده صباح اليوم لم يجرؤ على استهداف المدنيين لأن هناك مقاومة وبيئة مقاومة وهذه المعادلة التي عدنا لتكريسها اليوم”.
سابعًا، حقّ الرد، حيث قال “كان الرد مرضيًا وسنعتبر أن الرد كافٍ على جريمة الاغتيال وإن لم نره كافيًا سنحتفظ بحق الرد حتى إشعار آخر”.
ثامنًا، ربط العملية بما يجري من مفاوضات في شأن مستقبل غزة، فقال “عمليتنا قد تكون مفيدة للطرف الفلسطيني أو للطرف العربي بالنسبة للمفاوضات والرسالة للعدو ومن خلفه الأميركي بأن أي آمال بإسكات جبهات الإسناد هي آمال خائبة رغم التضحيات خصوصًا في الجبهة اللبنانية”.
تاسعًا، رسالة تحذير إلى الإسرائيليين الذين عليهم “أن يفهموا طبيعة لبنان والتغيرات الاستراتيجية. فلم يعد لبنان ضعيفًا تحتلونه بفرقة موسيقية، بل قد يأتي اليوم الذي نجتاحكم بفرقة موسيقية”.
وهكذا يبقى تاريخ 25 آب على ارتباط وثيق بـ 7 تشرين الأول برمزيته وأهدافه، على أن تكون كلمة الفصل إمًا لمفاوضات القاهرة – الدوحة، وإمّا للميدان، مع ما شهدته الساعات الأخيرة من مشهدية رباعية الأبعاد.