فاجأ رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “الجماهير” بتغريدة يدعو فيها “اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا” الى “مواجهة الأمر الواقع ضمن الدستور والقوانين”، مؤكدا “ما عاد الوضع يتحمّل انتظارًا والتحرّك صار حتميًّا”، ليتبن لاحقا ان الرجل لجأ الى “وعظته” هذه بعدما تناهى اليه من كلام عن غيابه عن البلاد في رحلة استجمام في بحور اليونان وسائر المشرق بعدما كانت له محطة استجمامية قبل مدة في تركيا”.
وقد استغربت اوساط سياسية مواكبة لما يجري داخل “التيار الوطني الحر” هذه الايام تغريدة باسيل التي تحدّث فيها عن “الانقاذ” والتي أتت خارج السياق شكلاً ومضموناً. وقالت لـ”لبنان 24″ :”في الشكل، تحدّث باسيل عن ان الوضع لا يحتمل فيما هو يقضي اجازة بعيداً عن معاناة اللبنانيين مع العتمة الشاملة التي له مسؤولية كبيرة في وصول البلد اليها، وبعيداً عن معاناة ومأساة ابناء الجنوب الذين يسقطون شهداء يومياً جراء الحرب الاسرائيلية. اما في المضمون، فلم يفهم ما اراد باسيل طرحه من خلال تذكيره بـ”وثيقة بكركي” وطرحه خطة تحرك وفقاً للدستور وقد بدت هذه “التغريدة” اكثر إنشائية منها عملية”.
وسألت الاوساط السياسية نفسها في هذا السياق: “ماذا قدّم باسيل من جديد لفكّ عقدة رئاسة الجمهورية، واذا كان طرحه اليوم الذهاب الى الانتخاب من دون توافق وقبول النتيجة اي كانت، فلماذا عطّل تياره البلد مدة سنتين ونصف سنة رافضاً منطق الانتخاب ومنتظراً ان يحصل توافق على انتخاب الرئيس عون؟ وماذا يقدّم باسيل لملء الفراغ في السلطة التنفيذية من خلال الحكومة التي لا ينبري يهاجمها بينما يستمرّ في منع الوزراء الذين يطيعونه من المشاركة فيها، وماذا يقدّم للبنانيين كحلّ بديل لتسيير أمورهم وشؤونهم وشجونهم غير إبقاء آخر سلطة تنفيذية واجرائية على قيد الحياة ولو بصيغة تصريف الاعمال؟”.
كذلك سألت الاوساط اياها استطرادا: “اي صدقية للدعوة الى الوحدة والتلاقي التي طرحها باسيل في مبادراته المتعددة داعياً فيها الأفرقاء السياسيين الآخرين الى وضع اليد في يده فيما هو يتخذ إجراءات داخل تياره ادّت الى مزيد من الانقسام والتشرذم في صفوفه؟ والى من يوجّه باسيل الدعوة الى تحرّكات شعبية وضدّ من؟ وهل هي موجّهة ضدّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أحد جناحي “الثنائي الشيعي” فيما هو يسعى جاهداً الى إعادة ترميم علاقاته به آملاً في استمالته الى خيار رئاسي آخر؟ أم هي موجّهة ضد حزب الله الذي اجتهد باسيل للإبتعاد عنه خلال الحرب ثم عاد ليتودّد له بعد ان اكتشف ان كل طرقه الأخرى بقيت مسدودة؟.
واعتبرت الاوساط ان “تغريدة باسيل الغامضة الاهداف تشبه الى حدّ كبير حالة الضياع والارباك التي يعيشها “التيار الوطني الحر” اكان داخل صفوفه او على الساحة السياسية عموماً، وهو واقع اصبح يلقي بثقله ليس فقط على حاضر “التيار” السياسي وانما ايضاً على مستقبله ويهدّد حجم دوره في المستقبل عندما يأتي أوان التسويات ويعاد ترتيب الواقع اللبناني” .
هروب الى الامام
والى ذلك يعلق قيادي سابق في “التيار الوطني الحر” على تغريدة باسيل فوجد فيها “محاولة منه للهروب من الأزمات الداخلية التي يعيشها إلى فتح نقاش في مسائل أخرى للتعمية عن تلك الأزمات التي افتعلها هو ولا يريد أن يوفر لها المعالجات التي من شانها ان تعيد الاعتبار إلى “التيار” وترجعه إلى جادة العمل الوطني الخالي من المصالح الخاصة والفئوية”. ويضيف “أن باسيل يهرب إلى الأمام من مشكلات صغرى إلى قضية كبرى تحت عنوان الوضع المسيحي ومبادرة التيار وهو يعرف أنه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية الآن،فعندما كان هذا الانتخاب متاحا في المطلق لم ينتخب رئيس، وحتى لو استطاع اللبنانيون الآن الوصول إلى تسوية سياسية فإن أول متطلبات نجاحها هو تأمين الدعم المالي بلبنان، لكن هل أن الانتخاب رئيس الجمهورية الآن يؤمن هذا الدعم؟ أن الكلام في هذا الموضوع الآن هو “طق حنك لا اكثر ولا اقل”.
وفي إشارة إلى “أن باسيل متورط مع الطبقة السياسية ولا يمكنه توزيع شهادات في الوطنية على أحد، يقول هذا القيادي “أن الطبقة السياسية تغض النظر عن باسيل وتصرفاته لأنها لا تريد أن تكشف مساوئه، إما لأنها متورطة معه وإما لأن بعض الزعماء الكبار يعتبرون انه انتهى ولذلك لا يريدون أن “يبلوا” ايديهم به، فللثنائي الشيعي اهتماماته المعروفة في هذه المرحلة، وللسنّة وقياداتهم اهتماماتهم في مكان آخر، اما جنبلاط فلا يريد الاشتباك مع أحد إسلاميا او مسيحيا في هذه المرحلة. لذلك لن يتوقف أحد عند “الشوشرة” التي يحدثها باسيل وهي لا تعدو إلا محاولة منه للهروب من أزماته الداخلية، فلقد انتهى عهد الرئيس ميشال عون وفرطت القيادة الشعبية للتيار وكذلك فرطت المعادلة السياسية الداخلية وفرط البلد وكان لا بد لباسيل ان يفرط فلقد كان لديه حزب سياسي مبني على قضية ومبادئ لكن هذا الامر انتهى ولذلك لم يجد باسيل امامه في هذه الحال سوى خيار الهروب إلى الأمام”….