ويقول النائب محمد خواجة لـ”لبنان24″ أن الرد الذي نفذته المقاومة على أهداف عسكرية في عمق الكيان أعاد تثبيت مبدأ الردع ولجم عدوانية اسرائيل.
ويضيف: نحن في لبنان نعتبر أننا نمتلك قوة نسبية تشكل عامل ردع على العدو الإسرائيلي ولن يتم التخلي عنها، ولأول مرة تتحول مستوطنات شمال فلسطين المحتلة إلى مناطق شبه خالية، ولأول مرة أيضاً لا تجرؤ إسرائيل على شنّ حرب أوسع، ولو أن إسرائيل قادرة على خوض الحرب لخاضتها، علماً أنها كانت في السابق تتذرع بأبسط الأسباب لشن حرب على لبنان، ففي العام 1982 على سبيل المثال تذرعت بمحاولة اغتيال سفيرها بلندن شلومو أرغوف كي تجتاح لبنان عسكرياً.
في خضم كل ما يجري فإن التحرك الدولي والغربي مستمر على المستوى الدبلوماسي وزيارات الموفدين، من أجل ترتيب الوضع في جنوب لبنان استناداً إلى القرار الدولي 1701، مع ذهاب آخرين إلى ضرورة فتح ملفّ الاستراتيجية الدفاعيّة في المستقبل، وسط تضارب في المواقف بين حزب الله والقوى السياسية الأخرى من الاستراتيجية الدفاعية التي يرى الحزب اليوم أنها حققت انتصارات تاريخية وعظيمة وكبرى لأنها قائمة على معادلة جيش وشعب ومقاومة، علماً أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وفي إطلالة له في كانون الثاني الماضي أطلق موقفاً لافتاً في هذا الشأن عندما تحدث عن فشل سلاح الجو في حسم المعركة، حتى في منطقة ضيّقة مثل قطاع غزة، قائلاً “هذا طبعًا مهمّ جدًا لنا ولكلّ الذين يفكرون لاحقًا بالاستراتيجيات الدفاعية”.
الحلقة الرابعة: مساهمة النائب محمد خواجة في مناقشة استراتيجية الردع والاستراتيجية الدفاعية
يقول خواجة: لقد شاع مصطلح الاستراتيجية الدفاعية في لبنان، على إثر انعقاد طاولة الحوار الوطني آذار 2006، بناءً لدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ومنذ ذاك الحين؛ بات يتردد هذا المصطلح على ألسنة السياسيين والإعلاميين وأهل الاختصاص. وترتكز الاستراتيجية الدفاعية على أسس ومبادىء تلحظ عناصر القوة والضعف المجتمعية، والسياسية العامة للدولة، وموقعها الجيوبوليتيكي، وتحديد المخاطر، والاقتدار العسكري، والقدرات الاقتصادية والمالية… وكيفية استثمارها على الوجه الأفضل لمجابهة تلك المخاطر التي تتهدد الدولة المعنية.
ويعتقد خواجة أن الخطر القابع على حدودنا الجنوبية، منذ نحو قرن ونيف، أي قبل عقود من ولادة الكيان الإسرائيلي، يُفترض ألا يكون موضع جدل وخلاف بين اللبنانيين. ويتجسد ذاك الخطر بمطامع العدو بأرضنا ومياهنا وثرواتنا. وتلك المطامع ليست حديثة العهد، بل تعود إلى مطلع القرن الماضي، عندما شاركت وفود من الحركة الصهيونية في مؤتمري فرساي كانون الثاني 1919، وسان ريمون نيسان 1920، الخاص بتقاسم التركة العثمانية في منطقة الشرق الأوسط. في ذلك المؤتمر، ترأس حاييم وايزمن الوفد الصهيوني الذي عرض خارطة للكيان الموعود، تُظهر حدوده الشمالية عند نهر الأولي الفاصل بين محافظتي الجنوب وجبل لبنان. وهذا أحد الشواهد المبكرة على نيات القادة الصهاينة، للاستيلاء على منطقة لبنان الجنوبي الغنية بالمساحات الزراعية، وبمنابع المياه حيث نهر الليطاني وروافده ونهري الحاصباني والوزاني. وكذلك مساقط المياه في جبل حرمون وخزانات المياه الجوفية.
ويعتقد خواجة أن لا خلاف بين اللبنانيين على طبيعة المخاطر التي تتهددهم، وجميعهم يعتبرون إسرائيل مصدر الخطر الأول على أمن كيانهم، لكن يختلفون على كيفية المواجهة. فهناك فريق لا يرى ضرورة لوجود المقاومة، وأن مهمة الدفاع عن الجنوب ولبنان يجب أن تناط بمؤسسة الجيش دون سواها، إلى جانب الإتكاء على منظومة صداقات دولية. ولا حرج لدى هذا الفريق الاستعانة بقوات أجنبية، سبق وجربناها غداة اجتياح العام 1982، ودخول الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت، فلم تفلح تلك القوات بمنع المجازر والجرائم التي ارتكبها العدو. أما الفريق الآخر، فيرى أن المقاومة المسلحة ولدت كاستجابة لتحدي الاحتلال، وفقاً لمقولة أرنولد توينبي. وهي التي أرغمت العدو على الانسحاب التدريجي، ابتداءً من العاصمة وصولاً إلى تخوم فلسطين، عبر مسيرة كفاح وجهاد، استغرقت عقدين إلا عامين، إرتقى خلالها آلاف الشهداء على درب جلجلة تحرير الوطن.
إن المقاومة التي شرّعها إتفاق الطائف، ونصّت على مشروعيتها البيانات الوزارية للحكومات لاحقاً، أثبتت، بحسب خواجة جدواها وصوابية خيارها، حين فرضت على جيش العدو الانسحاب في أيار 2000، من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، من دون قيد أو شرط، ليشكّل ذلك الحدث التاريخي سابقة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي. وبناءً على مفاعيل حرب تموز 2006، أسست المقاومة بالتكامل مع جيشنا الوطني معادلة ردعية، كبحت طوال السنوات الماضية، جموح العدو من الإقدام على مغامرة حربية جديدة ضد لبنان. رغم آلاف التهديدات التي أطلقها القادة الإسرائيليون على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية.
لقد انتهجت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 1948، سياسات المهادنة والضعف تجاه العدو الإسرائيلي، واكتفت بالارتكاز على العلاقات مع الدول الكبرى، واللجوء إلى المنظمات الدولية. وتمنعت تلك الحكومات عن تقوية الجيش وتزويده بالأسلحة المناسبة، لا سيما الصواريخ المضادة للطائرات والمدرعات، لكي لا تُغضب واشنطن أو تثير ريبة تل أبيب!!! علماً أن الجيش اللبناني من أفضل الجيوش على مستوى التدريب والأمرة والانضباط.
ويسأل خواجة، ماذا كانت النتائج؟ هل حمت سياسات الضعف لبنان أم حوّلت جنوبه أرض مستباحة لقوات العدو التي كانت تدخل البلدات والقرى الآمنة ساعة تشاء لتقتل أو تعتقل من تشاء؟ ولا ننسى مجزرة بلدة حولا 31 تشرين الأول 1948، وقبلها بيوم واحد مجزرة بلدة صلحا، وذهب ضحيتهما مئات الشهداء من المدنيين العزل. حينها، لم يكن من وجود للمقاومة الفلسطينية أو حركة أمل أو حزب الله أو أي فريق مقاوم. وهذا يثبت، وفق خواجة، أن الكيان الإسرائيلي القائم على مفاهيم القوة والتوسع والاستيلاء على أراضي الغير، لا يحتاج ذريعةً لكي يمارس عدوانيته. وكلنا ندرك أنه لا يقيم اعتباراً لقرارات المنظمات الدولية أو وساطات الدول الأجنبية؛ فهذا الكيان المارق خارج نطاق القانون والمحاسبة، لا يردعه سوى منطق الحق المرتكز على القوة. ودلّت تجربة الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، أنه عند حدوث تعارض تكتيكي بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي تجاه مسألة ما؛ فمن يتراجع عن موقفه هو الأميركي، حتى وإن كان بايدن شخصياً. وإذا كانت إسرائيل تتعامل مع الولايات المتحدة التي تمدها بأسباب التفوق والبقاء بأسلوب الازدراء، فماذا يمكن القول عن فعالية الدول الأوروبية وتأثيرها المحدود أصلاً؟
ويرى خواجة أن الاستراتيجية الدفاعية التي تحمي لبنان، يجب أن تكون غايتها الأساسية صون المعادلة المتمثلة بالجيش والمقاومة والوحدة الوطنية، وليس العكس كما يضمر البعض… واليوم على أرض الواقع، تتجسد الاستراتيجية الدفاعية من خلال تموضع وحدات الجيش ورجال المقاومة في عمق الجنوب عند خطوط المواجهة الأولى، ليشكلا حالة من التكامل الدفاعي على الحدود مع فلسطين المحتلة. وعلينا جميعاً أن نقف خلفهما ونشد من أزرهما، لإفهام العدو، أننا صفٌ واحدٌ في مواجهة أي حرب يشنها على وطننا…
بناء على ما تقدم، أي نقاش حول الاستراتيجية الدفاعية في المرحلة المقبلة، يجب أن يكون منطلقه، وفق خواجة، كيفية تحصين ثالوث قوتنا، وابتكار آليات تكامل مرنة بين أضلاع هذا الثالوث الحامي للوطن…