على القوى السياسية تحمل مسؤوليتها تجاه الناس والعمل لإخراجهم من معاناتهم

30 أغسطس 2024
على القوى السياسية تحمل مسؤوليتها تجاه الناس والعمل لإخراجهم من معاناتهم

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته السياسية:

“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي، بما أوصى به رسول الله أبا ذر الغفاري، حيث قال له: “يا أبا ذر إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله عز و جل، وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس، فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك… يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم‏ و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره”.
 
فلنتق الله ولنتوكل عليه لنكون أكثر قدرة وحضورا وقادرين على مواجهة التحديات التي تواجهنا.
والبداية من الرد الذي قامت به المقاومة على العدوان الصهيوني الذي استهدف الضاحية الجنوبية. والذي أشار إلى مدى اقتدارها وشجاعتها، وأظهر في الوقت نفسه الحكمة التي أدارت بها هذا الرد عندما نجحت في أن تصل إلى عمق كيانه وإلى موقع حساس عنده، برغم الاستنفار الذي كان عليه العدو والغارات العنيفة التي قام بها لمنع حصوله، وذلك من دون أن تسمح له أن يستغل ما جرى لتحقيق ما يصبو إليه من توسعة دائرة حربه مستفيدا بذلك من الأساطيل والبوارج الحربية التي تجوب المنطقة والتي جاءت لتسانده.
 
لقد كان واضحا أهمية هذا الرد، ليس بالبعد العسكري والأمني الذي حصل فقط، بل لكونه جاء ليؤكد لهذا العدو أنه انتهى الوقت الذي يرتكب فيه جرائمه أو أن يقوم باعتداءاته من دون أن يلقى ردا مناسبا أو أن يعاقب عليه”.
 
أضاف: “إننا أمام ما جرى، نحيي المقاومة على إنجازها، والذي سيجعل العدو يفكر مليا قبل أن يستبيح الضاحية أو أي منطقة لبنانية يتجاوز فيها قواعد الاشتباك الحاصل، ما يدعو اللبنانيين إلى أن يعتزوا بالقوة التي باتوا يمتلكونها والتي هي لحسابهم والتي جعلت منهم ندا لهذا العدو رغم كل القدرات التي يمتلكها والتغطية الدولية التي تحميه والإسناد العسكري الجاهز للدفاع عنه.
 
إن من المؤسف أنه لا يزال هناك في هذا البلد من رسم صورة عن هذه المقاومة جعلته يراها في مواجهة طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي، أو أنها تعمل لحساب الآخرين وعلى حساب هذا الوطن، وبات يخشاها من دون أن يبذل هؤلاء جهدا لوعي صحيح لحقيقة منطلقاتها وأهدافها. ونحن نرى أنهم لو فعلوا ذلك لزالت كل هذه الهواجس والمخاوف التي رسموها حولها، ولرأوا فيما تملكه سندا وقوة ومنعة لهذا البلد، وأصبح بالإمكان التوصل إلى صيغة تفاهم معها.

وهذا بالطبع لن يحصل إلا بحوار موضوعي معها بعيد عن كل الخلفيات والأفكار المسبقة، والذي يأخذ في الاعتبار حفظ أمن هذا البلد وسيادته”.

وتابع: “ونعود إلى غزة، التي يواصل فيها العدو مجازره اليومية بحق أهاليها والتدمير الممنهج لبناها التحتية، ويتسبب بانتشار الأوبئة التي تحذر الأمم المتحدة منها، فيما المفاوضات لا تزال تواجه التعقيدات من قبل كيان العدو الذي لا يزال يرفع من شروطه التعجيزية، حيث رئيس  وزرائه يصر على عدم الانسحاب من داخل القطاع، لا بل عمد إلى تعيين حاكم عسكري عليه، ما يشير إلى نيته في إبقائه تحت سيطرته الكاملة، وجعله تحت ظل كيانه والذي يستكمله اليوم في اجتياحه للضفة الغربية، ما يدعونا إلى أن نجدد دعوتنا للعالم العربي والإسلامي ولكل أحرار العالم إلى القيام بواجبهم في هذه المرحلة لنجدة هذا الشعب ومنع استفراده وإفشال مؤامرات العدو في السعي لاقتلاعه من أرضه.
 
في هذا الوقت، شهدنا، وقد نشهد ذلك كل يوم، اقتحامات يقوم بها هذا الكيان للمسجد الأقصى، والذي وصل إلى حد مطالبة أحد وزراء العدو بأن يبنى كنيسا في باحاته، وما يشجع على ذلك هو القرار الصادر من الحكومة الصهيونية برصد ميزانية لتغطية نفقات هذه الاقتحامات.
إن من المؤسف أن يمر هذا الخبر مرور الكرام من دون أن تكون هناك ردود فعل لحجم هذا العدوان من العالم العربي والإسلامي، ما سيجعل هذا الكيان يستمر بجريمته والسعي لتحقيق أهدافه”.

واستطرد فضل الله: “ونعود إلى لبنان، لندعو مجددا إلى معالجة جادة للأزمات التي بات يكتوي منها الشعب اللبناني على الصعيد الحياتي والمعيشي، فيما تستمر أزمة أموال المودعين بدون أي حل، والتي يخشى من تداعيات استمرارها مما شهدنا بعض صوره بالأمس والذي جاء بعد يأس المودعين في الحصول على أموالهم، في وقت هم أحوج ما يكونون إليها.
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا للقوى السياسية التي تتحمل مسؤوليتها تجاه الناس، إلى العمل الجاد لإخراجهم من معاناتهم، حتى يستطيع اللبنانيون تلبية أبسط حاجاتهم.
 
وأخيرا وفي الذكرى السادسة والأربعين، نقف مع مناسبة أليمة، هي مناسبة اختفاء الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، هذا الإمام الذي كان مثالا للعالم المنفتح على قضايا الحياة والعصر، وشكل عنوانا للوحدة الإسلامية والوطنية، وللتقارب الإسلامي المسيحي، والانفتاح على العالم العربي والإسلامي، وعمل على تحصين البلد من الفتن التي كان يراد للناس أن يكتووا بنارها، ووقف صلبا في مواجهة الفساد والحرمان، وفي التصدي للعدو الصهيوني، وداعما بارزا للقضية الفلسطينية”.
 
وختم: “إننا في هذه المناسبة، نجدد دعوتنا إلى إماطة اللثام عن هذه القضية التي تهم كل اللبنانيين، ليكون الصوت واحدا في العمل لكشف هذه الحقيقة”.