لبنان، أرض الأرز والجبال الخضراء، رئة هذا الشرق بجباله ووديانه وأشجاره ونباتاته.. وطن لطالما تغنى به الشعراء وجعلوا من طبيعته لوحة تأسر القلوب والألباب. هذا الوطن، الذي كان يتباهى بغاباته ووديانه وسفوحه المغطاة بشتى أنواع النباتات، يعيش اليوم فصولاً مؤلمة من فقدان هذا الغطاء النباتي المتميز. شجره الذي تحدى العواصف على مر العصور، بات يواجه اليوم تحديات أشد قسوة، إذ تذبل أوراقه، وتتهاوى غاباته تحت وطأة الإهمال والحرائق والحرب والتغيرات المناخية.
وحسب آخر تقرير لـ”غلوبل فورست واتش-Global Forest Watch”، الذي سلّط الضوء على تآكل الغطاء النباتي في لبنان، تبيّن أن الأمور لا تسير على المنحى المطلوب، علمًا أن هذه الأرقام التي تم رصدها، كانت قبل بداية الحرب على الجنوب، حيث خسر الغطاء النباتي هناك مساحات شاسعة بفعل القصف المتواصل على الجبال، والمناطق المفتوحة.
وحسب التقرير، الذي اطّلع عليه “لبنان24” أظهر أنّه منذ عام 2001 وحتى العام 2023، خسر لبنان ما مجموعه 6,49 كيلو هكتار (1 كيلوهكتار= 1000 هكتار)، إذ تفاوتت النسب بين السنوات المتعاقبة، حيث سجّل عام 2002 أقل نسبة خسارة للغطاء النباتي بلغت 81 هكتارًا فقط، أي ما نسبته 0.2% من المجموع العام للخسائر، بينما سجّل عام 2021 أعلى نسبة خسارة في الغطاء النباتي، إذ خسر لبنان آنذاك 673 هكتارا، أي ما نسبته 1% من الغطاء النباتي، وبمجموع عام، خسر لبنان 9.8% من الغطاء النباتي خلال 11 سنة .
ويلفت التقرير الذي فنّد كيف خسر لبنان غاباته إلى أن 1.2% من الغطاء فُقد في المناطق التي تم القضاء فيها على الغابات، وكان عام 2021 في طبيعة الحال صاحب الحصة الأكبر، إذ قُضي على مساحة تبلغ 618 هكتارات من الغابات تحديدًا. وعلى عكس الأعوام الأخرى حيث أثّر التحضر نوعًا ما على انتشار الغطاء النباتي، لم يكن للتحضر أي دور في القضاء على الأشجار منذ عام 2021 وحتى العام 2023.
كيف تتوزع الخسائر؟
يشير التقرير إلى أن منطقتين فقط في لبنان مسؤولتان عن 68% من خسارة الأشجار بين عام 2001 و 2023، وهما منطقة جبل لبنان وعكار.
فخلال 11 عاما، تم القضاء على 2.87 كيلو هكتار من الغطاء النباتي في محافظة جبل لبنان، ووصلت النسبة إلى النصف في عكار، إذ تم القضاء على 1.48 كيلو هكتار من الغطاء النباتي في المنطقة. وأتت الأرقام الأخرى على الشكل التالي:
– الشمال: 1.32 كيلو هكتار
– الجنوب 516 هكتارا
– النبطية 114 هكتارا
– بعلبك الهرمل 88 هكتارا
– البقاع 3 هكتارات
تأتي هذه الأرقام السلبية وسط أرقام إيجابية كان يتمتع بها لبنان، إذ حتى العام 2000، كان أكثر من 5.8% من الغطاء الأرضي في لبنان يحتوي على غطاء نباتي وأشجار، ووصلت النسبة إلى قرابة 30%، وكانت تتوزع على الشكل التالي:
– غابات طبيعية: 59.6 كيلو هكتار
– زراعة: 5.62 كيلو هكتار
غطاء نباتي متنوع: 959 كيلو هكتار
أهم مواقع الغطاء النباتي
على الرغم من أن جبل لبنان كانت أكثر منطقة فقدت أشجارا ونباتات، إلا أنّها تصنّف حاليا من أهم المواقع التي تحتوي على الغطاء النباتي، إذ تصل مساحة الغطاء فيها إلى 25.7 كيلو هكتار، وتأتي الأرقام الأخرى على الشكل التالي:
– الشمال: 10.9 كيلو هكتار
– الجنوب: 9.25 كيلو هكتار
– عكار: 7.82 كيلو هكتار
– النبطية: 3.54 كيلو هكتار
– البقاع: 292 هكتارا
– بعلبك الهرمل: 246 هكتارا
– بيروت أقل من 1 هكتار
من جهة أخرى، تلعب الحرائق دورًا مؤثرًا على صعيد القضاء على الغطاء النباتي، خاصة وسط أزمات مراقبة وحراسة الأحراج التي يعاني منها لبنان.
في السّياق، فإنّ موسم الحرائق عادة في لبنان يبدأ من أوائل شهر حزيران ويستمر حوالي 19 أسبوعا. ومنذ 28 آب 2023 وحتى 26 آب 2024 تم التبليغ عن 47 تنبيها من الحرائق، ويعتبر هذا المعدل من المعدلات الخطيرة والمرتفعة جدًا.
وبين عامي 2001 و 2023 قضت الحرائق على قرابة 5 كيلو هكتار من الغطاء النباتي، وسجّل عام 2021 النسبة الأكبر، إذ قضت الحرائق فقط على 425 هكتارا.
وإلى المشهد الحالي، مشهد حرائق الجنوب، إذ يتعمّد العدو الإسرائيلي حرق الأراضي الزراعية بحجة عسكرية لاستهداف مواقع زعم أنّها كانت منطلقا لصواريخ “الحزب”، وتعمل فرق الدفاع المدني وكشافة الرسالة الإسلامية بشكل دائم على إخمادها. وتؤكّد مصادر محلية لـ”لبنان24” أن مشهد الحرائق ليس جديدًا على الجنوب، إنّما الجديد هو حجم الحرائق الكبير الذي طال الغطاء النباتي، والأشجار المثمرة، كالزيتون. كما اتبع العدو سياسة الأرض المحروقة مستهدفا الأماكن الحرجية والمزروعات مثل حقول التبغ والقمح وأشجار الصنوبر، فتحول بعض الأماكن إلى أرض جرداء، هذا عدا عن اقتلاع آلاف الأشجار من جذورها جرّاء الصواريخ الثقيلة.
وبحسب وزارة البيئة، فإنّ المساحة من الأراضي الحرجية والمزروعة التي تضررت نتيجة القصف الإسرائيلي، خصوصاً بالقذائف الخارقة والفوسفورية، قُدّرت بنحو ألف و700 هكتار.