نقاط على حروف جبهة الاسناد

1 سبتمبر 2024
نقاط على حروف جبهة الاسناد

عندما قرر “حزب الله” فتح جبهة الجنوب إسنادًا لغزة وإشغالًا لجيش العدو، بأمر مباشر من أمينه العام السيد حسن نصرالله، وبإيحاء من طهران، لم يكن يتصوّر أن حرب الابادة التي شنتها إسرائيل، ولا تزال، ضد فلسطينيي قطاع غزة، وامتدادًا نحو الضفة الغربية، ستطول إلى المدى غير المتناهي، وأن مفاوضات القاهرة أو الدوحة ليست سوى محاولة إسرائيلية جديدة لاستكمال تنفيذ مخططها التهجيري الكامل من القطاع أولًا، ومن ثم من الضفة.

 

لذلك لم يكن “الحزب” يتوقع أن يكون الردّ الإسرائيلي على عمليات الاسناد انطلاقًا من الجنوب بهذا الحجم التدميري للقرى الحدودية في عمق لا يتجاوز عشرة كيلومترات، وما ينتج عنه من سقوط ضحايا في صفوفه ومدنيين، على رغم ما ينزله القصف الصاروخي لـ “المقاومة الإسلامية” من خسائر في الشمال الإسرائيلي، وبالتالي لم يكن في جو ما يملكه العدو من تجهيزات تكنولوجية متقدمة جدًّا في المجال المخابراتي والتتبعي، بحيث يستطيع الوصول إلى أهدافه بسهولة لم تكن متوقعة. وهذا ما حدث في عملية استهداف القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي وصفها نصرالله بأنها “انجاز”.

 

ويُضاف إلى كل هذه العوامل عامل آخر يقلق “حزب الله” أكثر من أي أمر آخر، وهو قدرة العدو على خرق صفوفه مخابراتيًا، إذ يعتقد كبار القادة العسكريون في “الحزب” أن إسرائيل لم تكن لتستطيع أن تطارد العناصر الحزبية في أماكن تواجدهم، وعلى رغم كل الاحتياطات الاحترازية التي يتبعونها في تنقلاتهم، لو لم تكن “المقاومة” مخروقة من الداخل. وهذه النقطة بالذات تُعتبر أهم نقطة ضعف تواجهها “المقاومة” في حربها الحالية ضد إسرائيل أو في أي حرب أخرى مستقبلية.

 

ومن بين نقاط الضعف الأخرى التي تواجه “حزب الله” في حربه الاسنادية أنه لم يلق الدعم الداخلي الكافي كما كانت عليه الحال في حرب تموز 2006، يوم أمنّ “التيار الوطني الحر” الخارج حديثًا من اتفاق مار مخايل لـ “الحزب” غطاء مسيحيًا مهمًّا، خصوصًا أنه كان في عزّ قوته على الساحة المسيحية ولديه تمثيل نيابي وازن مع سائر حلفائه، ومن بينهم الوزير السابق الراحل ميشال المر ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وكتلة نواب “الطاشناق”. أمّا اليوم فإن رئيس “التيار” النائب جبران باسيل، ومعه الرئيس ميشال عون، فيقفان ضد مبدأ “وحدة الساحات” وفتح جبهة الجنوب لمساندة غزة، على رغم المحاولات الأخيرة لباسيل في وضع “رجل في بور المعارضة وأخرى في فلاحة الممانعة”.

 

ويُضاف إلى هذا العامل غير المساند عوامل أخرى، ومن بينها قوة “المعارضة” في الوقوف ضد احتكار “حزب الله” لقرار الحرب والسلم، على رغم أن موقف النائب السابق وليد جنبلاط المؤيد لما تقوم به “المقاومة” في دفاعها عن كل لبنان قد أضعف “المعارضة” بعض الشيء من جهة، وأراح “حزب الله” كثيرًا من جهة ثانية.

 

ولكن ما لم يكن تتوقعه “حارة حريك”، وهي تفاجأت به، هو خروج بعض الأصوات من بيئتها تنتقدها لجرّها الجنوب إلى حرب مواجهة، مع ما يُخشى أن تؤدي إليه من حرب واسعة ضد لبنان كله، خصوصًا أن “عدوى” اقتناع فئة من اللبنانيين من عدم جدوى “حرب الاسناد” قد انتقلت، ولو في شكل خجول وتدريجي إلى “البيئة الحاضنة”، حيث بدأ الحديث داخل هذه البيئة يتنامى عن أن فتح جبهة الجنوب لم يخفّف الأذى الذي تعرّض ويتعرّض له قطاع غزة، بل ربما زادت الأمور فيه سوءًا، وبالتالي فإن مزارع شبعا وكفرشوبا لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن أكثرية القرى اللبنانية الحدودية قد أصبحت مدّمرة ولم تعد صالحة للسكن، فضلًا عن حرق الأراضي الزراعية، التي هي مصدر رزق معظم أهل الجنوب، الذين أصبحوا مهجرين داخل بلدهم. وقد يكون ما شهده بعض المناطق اللبنانية من تهافت أهل الضاحية والجنوب على استئجار مساكن بعيدة عن سكنهم الأصلي دليلًا ساطعًا على حال التململ التي تعيشها بيئة هذه المناطق، وهي من ضمن بنك أهداف الاعتداءات الإسرائيلية.

 

وقد سُمع بعض الأصوات مؤخرًا تدعو إلى وقف هذه الحرب العبثية، التي قد تكون من بين الأسباب الكثيرة التي تباعد بين اللبنانيين، وتجعل فئة منهم في خصومة مجانية مع الفئات الأخرى من شركاء الوطن.