تعود الجبهة الجنوبية، يوماً بعد آخر، إلى الوتيرة العالية التي كانت عليها قبل الردّ، سواء على مستوى عمليات “حزب الله” وإطلاق الصواريخ، أو على مستوى توسّع اعتداءات الجيش الاسرائيلي . وفي ظلّ تفاقم الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو للمضي في صفقة تبادل ووقف إطلاق في غزة، عقب مقتل 6 أسرى إسرائيليين، والتظاهرات التي ملأت شوارع تل أبيب والمدن الرئيسية في اسرائيل ، مساء أول من أمس، وأمس، والإضراب الشامل الذي شلّ الكيان منذ صباح أمس حتى ظهره، خرج نتنياهو مساءً في مؤتمر صحافي ليؤكّد مواقفه السابقة، ويتحدّى معارضيه. لكنّ حديث نتنياهو في المؤتمر تركّز بشكل تام تقريباً على الحرب في قطاع غزة، ومسألة المفاوضات والشروط التفاوضية الإسرائيلية، حتى إن الرجل شرح على شاشة تفاصيل تتعلّق بـ«محور فيلادلفيا» وأهميته وضرورة احتلاله، فيما كان حديثه عن لبنان مقتضباً جداً، ويمكن وضعه في المرتبة الأخيرة من الخطاب، وربما لولا سؤال أحد الصحافيين عن الجبهة الشمالية للكيان، لما تطرّق إليها نتنياهو أصلاً. وهو قال في المؤتمر إنه «لا يمكن أن نقبل بالوضع الحالي في الشمال، ونحن نعمل على تغييره، ومصرّون على إعادة السكان إلى بيوتهم»، لكنه رفض تحديد موعد نهائي لإعادة المستوطنين. وأضاف: «لن أقنع أحداً بالعودة إلى الحدود الشمالية، بل تغيير الوضع الأمني هناك كما فعلنا في الجنوب»، مشيراً الى أنه «يمكن تغيير الوضع الأمني في الشمال عبر اتفاق، لكننا جاهزون لتغييره بعمليات عسكرية». وخلال حديثه عن أهمية السيطرة الإسرائيلية على «محور فيلادلفيا» في قطاع غزة، استشهد نتنياهو بلبنان، ليستدلّ على ضرورة الحسم وعدم الانتظار، وقال: «بعدما خرجنا من لبنان، كان يجب علينا العودة مع أول صاروخ أُطلق علينا من هناك».
وفي لبنان، شدّد وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، على «ضرورة التوصّل إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة»، مجدداً «تمسّك لبنان بالقرار 1701، وضرورة تطبيقه بالكامل، وانسحاب إسرائيل من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة، وحلّ النزاعات العالقة بالوسائل الدبلوماسية». وأتى موقف بو حبيب خلال لقائه سفيرة اليونان في لبنان ديسبينا كوكولوبولو، تمهيداً للقاء مرتقب مع نظيره اليوناني، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نهاية الشهر الجاري.
وكتبت” الاخبار”: في ساحة بلدة شقراء، اصطف السبت الماضي طابور من أكثر من ستين شاحنة سارت خلف دورية للجيش اللبناني، في ظل تحليق لطائرات العدو الحربية ومسيّراته التجسسية، باتجاه بلدة ميس الجبل لإخراج بضائع تجّار البلدة الحدودية ونقلها إلى مناطق أكثر أمناً. العملية التي نظمها الجيش اللبناني بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، وفقاً لبرنامج معدّ مسبقاً بالأسماء والمواقيت، جاءت بعد مساع حثيثة لبلدية ميس المشهورة بعمل أبنائها في تجارة الأدوات المنزلية. وهي ستستمر طوال الأسبوع الجاري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت عشرات المؤسّسات والمحال على طول الحدود الجنوبية.
تجربة ميس الجبل شجعت بلديات أخرى على طلب تنظيم عمليات مماثلة. في القطاع الأوسط، يوازي سوق عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل) أهمية سوق ميس الجبل (قضاء مرجعيون). على طول الخط العام من رميش حتى مثلث القوزح، تنتشر عشرات المحال والمؤسسات على الجانبين. وقال نائب رئيس بلدية عيتا الشعب حسن طحيني لـ«الأخبار» إنه يجري التنسيق لتأمين عملية آمنة لإخراج البضائع بمواكبة الجيش اللبناني لإنقاذها من الغارات اليومية على البلدة. وأضاف: «لا أحد يمكنه التكهّن متى ستنتهي الحرب. وحتى ذلك الحين، علينا أن ننقذ أرزاقنا ونعتاش منها حيث يمكننا في الأماكن البديلة إلى حين العودة كما فعلنا عند تحرير الجنوب عام 2000 وعقب عدوان تموز 2006». فيما أشار عضو المجلس البلدي في بلدة حولا زياد غنوي إلى أن العشرات من أصحاب المنازل والمحال يستغلون مناسبات تشييع الشهداء لإخراج بضائعه، لافتاً إلى عشرات المحال البديلة التي افتتحها أبناء حولا في الأماكن التي نزحوا إليها لتأمين معيشتهم بدل انتظار المساعدات.
وقال رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير إن مساعي البلدية لمساعدة التجار رافقتها مساع مماثلة لمساعدة المزارعين، لكنها لم تثمر، مشيراً إلى أن 150 عائلة في البلدة تعتاش من تربية النحل، إلى جانب عشر مزارع للدجاج و40 مزرعة أبقار وعشرات مزارعي التبغ والزيتون والخضر والقمح والحبوب. وأوضح أن اليونيفيل عجزت عن تقديم ضمانات للسماح لمزارعي التبغ بغرس شتولهم ولمزارعي الزيتون بتحضير حقولهم للموسم المقبل ولمزارعي القمح بدرس بيادرهم. ولفت إلى أنه لا يزال ينتظر منح الضمانات لفريق متخصّص يحضر إلى البلدة لأخذ عيّنات من مياه المنازل والآبار الارتوازية والينابيع الجوفية لفحص احتمال تلوثها جراء سقوط 750 قذيفة فوسفورية على ميس ومحيطها وتعرّض البلدة لـ 125 غارة جوية.
ويقول شقير إن عدد أبناء البلدة يُقدر بنحو 30 ألف نسمة، يقيم منهم حوالي 8000 نسمة شتاء و15000 نسمة صيفاً. ويضيف: «أبناء البلدة الذين هُجّروا مراراً بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، أصرّوا دائماً على العودة وفتح المؤسسات التجارية على الحدود، حتى ذاع صيتهم في كل أنحاء الوطن. وتوجد في البلدة مصانع ومعامل ومصالح متنوّعة. في الحرب الحالية دمّر العدو العديد من الوحدات السكنية والمحالّ التجارية، وتُقدّر الخسائر المالية بملايين الدولارات، لكن ذلك لن يعيق عودة الأهالي والتجار الى البلدة بعد انتهاء الحرب». ولفت إلى أن ما أخرجه التجار من بضائع أخيراً هو لتيسير أمورهم من أجل الصمود»، فيما يؤكد المختار حمدان أن «المصانع والمعامل لا تزال في البلدة بانتظار العودة القريبة والبدء بإعادة تشغيلها».