مع اقتراب فصل الخريف وعودة الأمطار، يتخوف اللبنانيون من تكرار مشاهد “الشتوة الأولى” حيث يؤدي هطول الأمطار الغزيرة إلى تشكّل السيول والبرك والفيضانات وتغمر المياه الطرقات، ويحتجز المواطنون داخل سيارتهم من دون ان ننسى انه في السنوات الأخيرة أدت السيول إلى سقوط ضحايا في عدد من المناطق.
وكي لا تتحوّل نعمة الأمطار إلى نقمة، عقد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية اجتماعاً موسعاً قبل أيام مع متعهدي ورش أشغال تنظيف مجاري تصريف مياه الأمطار على الأوتوسترادات في مختلف المناطق وجميع المعنيين بملف الطرق، وجرى البحث في سير الأعمال المستمرة للورش وتمّ رسم خارطة طريق استعداداً لموسم الأمطار.
أسباب غرق الطرقات
أسباب عديدة تؤدي في لبنان إلى طوفان الطرقات، لذا يجب قبل كل شيء ان تُسرع الوزارات المعنية من وزارة الأشغال والطاقة والداخلية إلى البدء بأعمال تنظيف وصيانة مصافي وأقنية تصريف المياه والريغارات والأنهر والسواقي من رواسب الاتربة والنفايات قبل حلول فصل الشتاء لأنها تؤدي الى إقفال المصافي وسدها ما يتسبب بارتفاع منسوب المياه بشكل عكسي فينتج عنه دخول السيول إلى المنازل والابنية وإلحاق أضرار وخسائر في الأملاك والمحال.
وعلى البلديات أيضا تنظيف الأقنية من النفايات المتراكمة فيها ضمن نطاقها والعمل على إزالة الأتربة والحجارة المتراكمة على جوانب الطرق والورش والساحات لأن مياه الأمطار الغزيرة تجرفها الى الأقنية وبالتالي لا تعود قادرة على تصريف المياه ما يتسبب بفيضانها وتشكّل البرك الموحلة على الطرق.
وعلى المواطنين أيضا مسؤولية في هذا الأمر، فيجب ان يحافظوا على نظافة المنشآت والريغارات والبنى التحتية، وعدم رمي النفايات على جوانب الطرق لأن تراكمها يتسبب في انسداد قنوات تصريف المياه، وبالتالي عليهم ان يتحلوا بالوعي والمسؤولية لتخفيف الضرر عنهم.
هل بدأت التحضيرات فعليا لموسم الأمطار؟
يؤكد رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب سجيع عطية في حديث لـ “لبنان 24” ان “وزيري الداخلية والبلديات والأشغال العامة والنقل أوعزا قبل بداية فصل الشتاء بوجوب المباشرة في “تعزيل” الاقنية ومجاري المياه وتنظيفها، وإيلاء الموضوع الأهمية القصوى لمنع حصول فيضانات وقطع للطرق العامة”، مشيراً إلى ان “العمل بدأ والخطط وضعت ضمن الإمكانات الموجودة لدى الدولة”.
واعتبر عطية ان “المشكلة الحقيقية هي أيضا في كمية المُتساقطات الغزيرة التي لا يُمكن استيعابها والتي بدأنا نشهدها في السنوات الأخيرة”، مؤكدا ان “الاستعدادات انطلقت للموسم وهي ستكون أفضل من السنوات الماضية”.
ولفت عطية إلى ان “الاستعدادات تقع على عاتق عدة وزارات، فوزارة الطاقة والمياه هي من عليه “تعزيل” وتنظيف مجاري مياه الأنهر، أما وزارة الأشغال فهي مكلفة بتنظيف الطرق العامة، في حين ان بلدية بيروت هي من تقوم بصيانة الطرق والمجاري داخل نطاق عملها”.
ماذا عن البلديات المُنحلة أو المُعطلة؟ يُشير عطية إلى ان “الصلاحيات وتصريف الأعمال فيها تنتقل إلى القائمقام أو المُحافظ وبالتالي لا مشكلة من هذه الناحية”.
وإلى جانب مسؤوليات الوزارات المعنية، يعتبر رئيس لجنة الأشغال ان “على المواطنين مسؤولية أيضا بوقف التعديات على مجاري الأنهر ورمي النفايات والبناء العشوائي فالدولة لا تُراقب بما فيه الكفاية ولا تستطيع وقف التعديات كما انها تُعاني من نقص في السيولة والأموال”.
وأمل عطية في ألا نشهد في الموسم المُقبل كوارث كالتي شهدناها سابقا وان يمر الموسم بأقل أضرار مُمكنة.
آثار تغيّر المناخ على أنماط هطول الأمطار
لا شك في ان الإهمال يُساهم في غرق الطرق في كل شتوة في لبنان، الا انه لا بد من التطرق أيضا إلى آثار تغيّر المناخ على أنماط هطول الأمطار.
فقد قال علماء في بحث نُشر في مجلة “ساينس” في تموز الماضي إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية الأخرى.
ويعتبر العلماء ان العواصف المدارية الأقوى جزء من ظاهرة أوسع من الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.
ولفت الباحثون إلى ان “ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى زيادة قدرة الغلاف الجوي على الاحتفاظ بالرطوبة، مما يسبِّب تقلبات أوسع في هطول الأمطار”، مؤكدين ان “التقلبات زادت في معظم دول العالم ما يعني فترات أمطار أكثر غزارة وفترات جفاف أكثر جفافاً”.
وحذر العلماء من ان ” هذا الأمر سيزيد مع استمرار ظاهرة الاحترار العالمي، مما يزيد من فرص حدوث جفاف أو فيضانات”.
ويعتقد العلماء أن تغير المناخ يعمل أيضاً على تغيير سلوك العواصف المدارية، بما يشمل الأعاصير، مما يجعلها أقل تواتراً لكن أكثر قوة، كما ان ارتفاع نسبة بخار الماء في الغلاف الجوي هو السبب الرئيسي وراء كل هذه الاتجاهات نحو ظواهر هيدرولوجية أكثر تطرفاً”.
في الختام لا بد من التذكير انه في عام 2022 أدرج تقرير لمنظمة “غرين بيس” لبنان بين 6 دول عربية مُهددة بـ”التأثير المدمر للتغير المناخي”، لذا المسؤولية مُشتركة ما بين الدولة والمواطن اللبناني على تفادي الأسوأ قبل موسم الأمطار الذي يعتبره كثيرون موسم الخير وبما ان “أيلول طرفو بالشتي مبلول” عسى ان تمر الشتوة الأولى على ألف خير.