القرار الدولي 1701 لم يكن ، كما يقول القائد السابق لقطاع جنوب الليطاني،العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل، مطبقا من قِبَل العدو الإسرائيلي قبل عمليّة “طوفان الأقصى”، فاسرائيل لم تحترمه أبدًا، والخروقات الجويّة والبحريّة الإسرائيليّة كانت شهريًا بالمئات، عدا عن محاولات الخروقات البريّة التي كانت ستكون بنفس الكثافة لولا تصدّي الجيش لها ومنع الجرافات الإسرائيليّة مثلًا من إنتهاك الأراضي اللبنانيّة والقيام بأعمال تجريف وقضم لما كان سيتيسَّر لها من مئات الأمتار اللبنانيّة، وذلك بحجّة الضرورات الأمنيّة للعدو، كما وقد تصدّى الجيش منذ إنشاء الخطّ الأزرق وعلى مدى سنوات لمحاولات عديدة لتجاوز الخطّ الأزرق بريًا أوخرقه من قبل العدو سواء بعناصر راجلة أو بآليات مدرّعة معادية، ولا تزال صورة الجندي الذي يقف بسلاحه الفردي في وجه دبابة الميركافا المعاديّة التي كانت تحاول خرق الخطّ الأزرق ماثلة للأذهان، كما وصورة العسكري المتقاعد الذي يمنع بجسده جرافة العدو من الإعتداء على ارض لبنان، عدا عن أن أعمال التجسّس الإسرائيليّة بطرق مختلفة لم تتوقّف عن الداخل اللبناني كما وعلى طول الخطّ الأزرق، من رأس الناقورة غربًا حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا شرقًا، وهذا يُعتَبَر أيضًا من ضمن الخروقات الخطيرة والدائمة للقرار 1701.مّا من جهّة لبنان فقد كانت وحدات الجيش وقوات اليونيفيل ،تسيّر مئات الدوريّات المُشتركة في قطاع جنوب الليطاني وعلى طول الخطّ الأزرق للمراقبة وضمان تنفيذ القرار 1701، فاليونيفيل المكلّفة بتطبيق هذا القرار، يبلغ عديدها حوالى احد عشر الف عنصر وتشتَرِك فيها حوالى 40 دولة، وهي منتشرة في كافة القطاع الجنوبي اللبناني وتراقب كلّ شيء، ولم تكن تشتكي إلّا فيما نَدَر من عدم إحترام الجهّة اللبنانيّة للقرار الدولي 1701، وكانت هذه الشكاوى النادرة تتعلّق بإجتياز بعض الرعاة والمواشي للخطّ الأزرق من لبنان باتجاه فلسطين عن طريق الخطأ، بينما قوات اليونيفيل غير منتشرة على الجانب الإسرائيلي حيث لا حسيب ولا رقيب على إسرائيل، ولا مراقبة عليها في تنفيذ هذا القرار الأممي.من جهّةٍ أخرى فالعدو الإسرائيلي يخرق الخطّ الأزرق الاممي بشكلٍ دائم عبر تركيز سياجه التقني في 18 منطقة تقضُم من الخط الأزرق مساحة حوالي 736000 مترًا مربّعًا من الأراضي اللبنانيّة، وذلك بإعتراف قوات اليونيفيل نفسها. كما أن اليونيفيل لم تسجّل قبل عمليّة “طوفان الأقصى” أي تواجد مسلّح ظاهر لعناصر حزبيّة خلال مراقبتها الجانب اللبناني لسنوات.
اذن هل القرار الدولي 1701 كافٍ لحماية لبنان؟
إن القرار الدولي 1701 هو قرارٌ كافٍ لحماية لبنان، بحسب الجميل، إذا ما إلتزم به العدو الإسرائيلي بحذافيره، وإذا ما وضِعَت القواعد والآليّات الصحيحة لمراقبة الجانب الإسرائيلي والتحقّق من مدى إلتزامه به، ويجب تعديل هذا القرار ليكون إنتشار قوات اليونيفيل على جانبي الحدود وليس من الجهّة اللبنانيّة فقط، وعلى إسرائيل أن توقف خروقاتها وإنتهاكاتها للقرار 1701 لضمان الإستقرار على جانبي الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة.
اذن ماذا ينتظر لبنان على مستوى الترسيم البر في اليوم التالي لانتهاء الحرب.. يقول الجميل في هذا السياق: إن الطروحات التي تنتشر في الإعلام أو على لسان مسؤولين غير لبنانيين هي طروحات غير قابلة للتطبيق ومنها:
-تحويل الخطّ الأزرق إلى خطّ حدود دوليّة وهذا أمر مستحيل القبول به من قِبَل لبنان الذي يطالب بإستعادة 13 منطقة محتلّة مُتَحَفَّظ فيها على الخطّ الأزرق، وتبلغ مساحتها حوالي 486 ألف مترًا مربعًا بالإضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة والأراضي المُحتلّة من قرية “الماري” اللبنانيّة.
-مبادلة الأراضي لتعديل خطّ الحدود بشكلٍ يتوافق مع الواقع الحالي، وهو أمر غير قابل للتطبيق أيضًا لأسباب عديدة أهمّها مخالفته للمادّة الثانية من الدستور التي تمنع التنازل عن أي جزء من الأراضي اللبنانيّة أو التخلّي عنه، ولكونه أيضًا يحتاج إلى إتفاقيّة ترسيم جديدة مع العدو الإسرائيلي لتعديل خطّ إتفاقيّة بوليه – نيوكمب والنقاط الجغرافيّة الحدوديّة المثبَّتة منذ أكثر من مئة عام، فالحدود اللبنانيّة مرسّمة ومثبّتة وهي بحاجة فقط إلى إعادة التأكيد عليها في اليوم التالي للحرب، وبالتأكيد سيكون موقف لبنان كما يلي:
لن يتنازل لبنان عن أي متر من حقوقه في حدوده البريّة ولن يوافق على أي حلّ لا يُعيد له المناطق ال 13 المُتَحَفَّظ فيها على الخطّ الأزرق، ولن يوافق على أي طرح لا يُعيد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة حتى حدود مجرى وادي العسل، وبأن يستعيد لبنان أراضي بلدة الماري التي تمدَّدَت إليها قرية الغجر السوريّة المحتلّة، وبأن تتراجع إسرائيل عن مناطق الخرق الدائم ال18، ويستعيد لبنان منطقة الطفافات وهي المساحة البحريّة التي بقي وضعها معلقًا في الإتفاق غير المباشر لترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل عام 2022 والتي تَبلُغ مساحتها حوالي كيلومترين ونصف مربّعين، عندها فقط تخفّ حدّة التوتّر على الحدود الجنوبيّة وتنعَم هذه المنطقة وكلّ لبنان بالهدوء، وعدا ذلك من الحلول فأنها ستكون حلولًا غير قابلة للحياة، وسيزداد التوتّر حكمًا وستعود الأمور إلى الإشتعال مجدّدًا في أيّة لحظة.
ومع ذلك يظن بعض القوى السياسية أن لبنان خسر مزارع شبعا، إلا أن العميد الجميل،، يشدد أن لبنان لم يخسَر مزارع شبعا ،ولن يضيع حقّ يطالب به لبنان بكافّة أطيافه، فهذه المنطقة التي تبلُغ مساحتها حوالي 42 كياومترًا مربّعًا هي أراضي لبنانيّة باعتراف كافّة المسؤولين السياسيّين السوريين الذين يضعون سياسة الدولة السوريّة، وقد أعلنوا ذلك مراتٍ عديدة عبر تصريحات علنيّة موثّقة ومنهم الرئيس السوري بشار الأسد ووزراء خارجيّة سوريا كفاروق الشرع ووليد المعلّم وغيرهم، كما أن لبنان لديه مئات الوثائق التي تؤكّد لبنانيّة مزارع شبعا، بالإضافة إلى وثيقة سوريّة رسميّة تعتَرِف بذلك، وهي خريطة موقّعة عام 1946 من قبل قاضيين عقارييَّن لبناني وسوري، وهي عبارة خطيطة عقاريّة تُرَسِّم وتثبّت الحدود البريّة لمزارع شبعا على حدود قرية مغر شبعا السوريّة، ومجرى وادي العسل، وتحدِّد الأراضي التابعة للجمهوريّة اللبنانيّة والجمهوريّة السوريّة في هذه المنطقة، و هذان القاضيان هما القاضي العقاري السوري عدنان الخطيب والقاضي العقاري اللبناني رفيق الغزاوي، وقد توصّلا إلى وضع وثيقة دامغة تُحدّد الحدود الصحيحة وتزيل كلّ شكّ حول هويّة المزارع، وبوجود هذه الوثيقة التاريخيّة المعروفة بأسم خريطة الغزاوي – خطيب فأن لبنان ليس بحاجة إلى أي مستند من سوريا لإثبات لبنانيّة المزارع وهي وثيقة كافية لإثبات ذلك، ولكن منظّمة الأمم المتحدة مُنحازة إلى الجانب الإسرائيلي في هذا الموضوع، وتَعتَبِر أن مزارع شبعا هي أراضي سوريّة تتبَع لمندرجات القرار الأممي الرقم 242 وليس للقرار الأممي الرقم 425.
وتكمُن اهميّة مزارع شبعا للعدو الإسرائيلي في أنها منطقة إستراتيجيّة تَقَع على مثلث ثلاث دول: لبنان- سوريا- فلسطين، وهي خزان مائي جوفي ضخم يَرفُد بحيرة طبريا ومنها نهر الأردن، وطبيعتها الجغرافيّة تحتوي على تلالٍ حاكمة، ومرتفعات إستراتيجيّة تُركّز عليها إسرائيل محطات تنصّت وتجسّس تطال عمق الداخل اللبناني وحتى الداخل السوري، ولذلك فالعدو يتمسّك بها ويحتلّها ويناور بكلّ الطُرُق السياسيّة والعسكريّة لعدم الإنسحاب منها، ولكن في النهاية سيضطرّ إلى ذلك بسبب الإصرار اللبناني المُحقّ على إسترجاعها أو عبر توجّه الدولة اللبنانيّة إلى محكمة العدل الدوليّة مع كافّة المستندات والوثائق، بغية إصدار وثيقة دوليّة تُجبِر إسرائيل على الإنسحاب منها.
يبقى السؤال الاساس أين تكمُن الإشكاليّات في المناطق المُتحفّظ عليها؟
إن إشكاليّة المناطق المتحفَّظ على الخطّ الأزرق فيها، تكمُن، بحسب العميد الجميل، في أنها مساحات لأراضٍ لبنانيّة تَقَع بين خطّ الحدود الدوليّة والخطّ الأزرق، وهي أراضٍ قضمها الخطّ الأزرق من لبنان لصالح إسرائيل، وقد إستبدَلَ المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تسميتها عام 2018، من “المناطق المُتحفَّظ عليها”، إلى “المناطق اللبنانيّة المُحتلّة”، وعددها 13 منطقة تتدرَّج من الغرب بأتجاه الشرق كما يلي: رأس الناقورة، علما الشعب (3 تحفّظات)، البستان، مروحين، رميش، يارون، بليدا، ميس الجبل، العديسة، العديسة كفركلا، الوزاني. ومساحتها تَبلغ 485487 مترًا مربعًا، وهي تَقَع كلها على الحدود اللبنانيّة – الفلسطينيّة الممتدّة من رأس الناقورة غربًا، إلى الجسر الروماني القديم على نهر الوزّاني شرقًا، أمّا القسم المتبقّي من الخطّ الازرق فهو يَقَع على الحدود اللبنانيّة – السوريّة في الجولان السوري المُحتل، وفيه إشكاليّة قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة اللبنانيّة، بالإضافة إلى الخروقات الدائمة للخطّ الازرق وعددها 18 خرقًا بمساحة حوالي 736526 مترًا مربعًا وهي تتدرّج من الغرب باتجاه الشرق في المناطق التالية: رأس الناقورة، علما الشعب، البستان، يارون، عيتا الشعب، بليدا، ميس الجبل، حولا (2)، مركبا، العديسة، الخيام (3)، عمرا (2)، الماري.
تجدُر الإشارة إلى أن الخطّ الازرق ما هو إلّا خطّ وضعته الأمم المتحدة عام 2000، للتحقّق من إنسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهو ليس بأي شكلٍ من الأشكال حدودًا دوليّة، والمناطق المسمّاة “مُتَحَفَّظ عليها” هي مناطق لبنانيّة مئة بالمئة وفق الإحداثيّات الجغرافيّة الموجودة لدى مديريّة الشؤون الجغرافيّة في الجيش لخطّ بوليه – نيو كمب عام 1923، ولخطّ الهدنة عام 1949، ولبنان لن يتخلّى عنها بأي شكلٍ من الأشكال، وقد وثّقها الجيش مع نقاط الخرق الدائم ال18 ومع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة ومنطقة الطفّافات، بالمساحة العقاريّة، والطول، والعمق، والشكل ولا مجال فيها للخطأ أو للتراجع ولو مترًا واحدًا.