لا يترك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مناسبة أو فرصة إلاّ ويذكّر من يجب تذكيرهم بأن انتخاب رئيس للجمهورية أولوية لا تعلوها أي أولوية أخرى مهما كانت مهمة وحاجة ملحة. وهذا ما قاله في كلمته في استقبال جثمان الكاردينال أغاجيان، والتي وصفها بعض الذين سمعوها بأنها كانت من بين أهمّ الكلمات القليلة، التي تُقال في مثل هكذا مناسبات لها طابع وطني جامع، وذلك بعيدًا عمّا تشهده الحياة السياسية من استخفاف في التعاطي مع القضايا الوطنية بشيء من اللامبالاة والاستلشاق وحتى بشيء من التقليل من أهمية ما يمثّله رئيس الجمهورية، أيًّا يكن، في الحركة السياسية، التي يجب أن تكون استثنائية، وذلك نظرًا إلى الكمّ الهائل من المشاكل والأزمات والتعقيدات التي يواجهها لبنان، والتي يتداخل فيها حابل الوضع الجنوبي المتوتر مع نابل الوضع الاقتصادي المشرف على الانهيار.
وعلى رغم ما يحاول الرئيس ميقاتي القيام به من مجهودات إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتقليل من حجم أضرار ما يتعرّض له اللبنانيون في حياتهم اليومية من صعوبات ومضايقات ومشقات فإن بعض هواة السلبية والاستغلال السياسي لا يتركون فرصة إلا ويرشقون شجرة السرايا، التي لا تزال تعطي ثمرًا في أوقاتها الطبيعية، بأحجار الحقد الأعمى، إذ يتعامون عمّا يُرتكب من معاصٍ في حقّ الوطن، وما لا يُعمل، ويجب أن يُعمل، بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي. فالخشبة الموجودة في عيونهم تمنعهم من رؤية الأمور على حقيقتها وفي شكل جيد. ولكي يخفوا ما يعانونه من قصر بصر وبصيرة يحاولون ألا يروا سوى القشة المتطايرة من شظايا مواقفهم العنترية والتي قد تصيب بعض العيون.
ليس غريبًا على هؤلاء المتعامين عن الحقيقة الساطعة كعين الشمس في عزّ النهار أن يلجأوا إلى أساليب رخيصة وبالية من زمن ولّى ومضى، وذلك اعتقادًا منهم بأنهم قادرون من خلال تشويه الحقائق وتزويرها على رفع المسؤولية عن تقصيرهم بالقيام بأدنى واجباتهم الوطنية والدستورية، التي تفرض عليهم إلزامًا انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد.
ولأنهم مقصرّون، ولن أكمل ما يُقال عادة عن هؤلاء المقصرّين، يحاولون تبرير تقصيرهم بهذا الهجوم غير المنطقي على من لا يزال يتحمّل المسؤولية كاملة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة، والتي يتطلب التعاطي معها الكثير من الحكمة والتروي والتبصّر، والتعالي عن صغائر الأمور بما يمليه عليه واجبه الوطني منذ اليوم الأول، الذي قبل فيه أن يتحمّل مسؤولية تعبئة الفراغات من أعلى مستوياتها إلى أدناها بما توافر له من إمكانات خجولة ومتواضعة، وإن كان على يقين بأنه لا يمكن تعبئة فراغ الكرسي الرئاسي بأي بدائل، وإن كانت دستورية، إذ لا بديل عن الأصيل، وبالأخص في موقع المسؤولية الوطنية الأولى.
فهل لأنه يطالب بانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، ولأنه يحمّل مسؤولية هذا التقاعس للمتخاذلين عن القيام بما يفرضه عليهم الدستور القيام به قبل أي أمر آخر، يرشقونه بسهام حقدهم الأعمى، وهل لأنه بعمله اليومي الدؤوب والهادف والمسؤول يؤنب ضمائرهم المخدّرة بأفيون الضغينة، وهل لأنه يقول ما لا يجرأون على قوله تقوم قيامتهم ولا تقعد؟
ولأنه مؤمن بأن “الشمس شارقة والناس قاشعة” ينصرف إلى عمله اليومي وهو مرتاح الضمير تاركًا وراء أبواب السرايا غير المغلقة في وجه أي من الذين يريدون الخير لهذا الوطن ما لا يفيد. فالحقد في نهاية المطاف لا يأكل سوى صاحبه.