ألقى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في الجلسة الافتتاحية لـ”االمؤتمر العالمي الثامن والثلاثين للتقريب بين المذاهب”، الذي عقد في طهران تحت عنوان “التعاون الإسلامي من أجل بلورة القيم المشتركة مع التأكيد على القضية الفلسطينية”، قال فيها: “لقد أثبت مجمَع التقريب بين المذاهب الإسلامية منذ تأسيسه سنة 1990 أن السعي لوحدة هذه الأمة وتعاونها وتكاملها، ليس مجرد تكتيك يتعلق بسياسة الدول، بل هو استراتيجيا مستمدة من أصول الدين والقرآن الكريم والسنة المطهرة، في ظل رعاية كريمة ومباشرة من سماحة السيد القائد الخامنئي وجهود حثيثة بذلها العلماء الكبار الذين تناوبوا على منصب الأمانة العامة للمجمع، نتذكر في هذا المقام الشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محسن الآراكي، اللذين تمكنا من تقديم صورة ناصعة للانفتاح على المذاهب المختلفة في أصعب الظروف وضمنا تسليم الأمانة للعلامة الشيخ الدكتور شهرياري الذي يبشرنا عمله المبارك بفعالية مستمرة لعمل المجمَع ومقاربات جريئة لواقع الأمة ومشكلاتها. كما نتذكر بكل إجلال السيد الرئيس إبراهيم رئيسي ومعالي الوزير المجاهد حسين أمير عبد اللهيان اللذين أضافا إلى هذه المسيرة ديبلوماسية فاعلة تجاه الدول الإسلامية عامة”.
وأردف: “نتمنى لفخامة الرئيس الدكتور مسعود بزشكيان كل التوفيق في مهامه الجديدة، والتي يظهر في حركته المبكرة ثباته على هذا الخط، خط الوحدة والتكامل بين الدول الإسلامية، بما يعزز وحدة الأمة وحضورها في العالم. لقد كانت جهود التقريب، ولا تزال تهدف إلى تحويل التنوع المذهبي في هذه الأمة إلى مصدر غنى، بدل أن يُستغل سياسيا كمنطلق نزاع، ولكن الحال أن سياسات بعض الدول الإسلامية حالت دون تقدم جهود التقريب ووصولها إلى غايتها، مما يؤكد الحاجة إلى مدخل آخر للتقريب يخترق الحواجز والعوائق الموجودة في وجه التقريب من جهة ويداوي الهواجس والمخاوف من جهة أخرى”.
وقال: “ما يجري اليوم على أرض غزة ولبنان من عدوان غربي همجي إرهابي ومجازر يندي لها جبين الانسانية ما كان ليحصل لولا الانقسامات المذهبية يتحمل نتائجها اليوم اللبناني والفلسطيني واليمني، وتتصدى المقاومة بكل شجاعة وعنفوان فيما تقف الأمة متفرجة على ما يجري مما يضفي أهمية بالغة على وظيفة مجمع التقريب لتطوير أدائه للوصول الى النتيجة المرجوة، وهو أمر طبيعي لأي مؤسسة من المؤسسات”.
أضاف: “وبناء على أن الدولة مؤسسة من مؤسسات الأمة، ليس هناك مشكلة في أن نتعامل مع الأمر الواقع على أن تُراعى هذه الدول في حدودها وخصوصياتها وأن تتبنى مبدأ التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي والعلمي لما فيه مصلحة الأمة التي تجمعها الشهادتين، فبالإسلام يقوم الاجتماع السياسي لا بالإيمان، وبه تنعقد العقود بين المسلمين، وهو الإطار الجامع للدول الإسلامية والرابطة العقائدية بين شعوب الأمة. وبعيدا عن النقاشات العقائدية والفقهية، نقترح تطوير أُطر التعاون القائمة بين الدول الإسلامية، بهدف تحقيق مصالح الأمة الإسلامية جمعاء، ونقصد بالمصلحة، بالمعنى الشرعي، كل ما يؤدي إلى تقدم الدول الإسلامية وتكاملها الفعَال لمصلحة شعوبها بعيدا عن النفوذ الغربي والسياسات الضيقة”.
وتابع: “إن المهمة الأساسية لمجمع التقريب المبارك في هذه الظروف الصعبة:
أولا: التأكيد على احترام عقائد المذاهب الإسلامية، كما هي باعتبار الإيمان مسألة بين العبد وربه.
ثانيا: العمل مع الجهات الرسمية في كل دولة على تأكيد التعامل بين الشعوب والدول والمجتمعات في الأمة على أساس الإسلام الحضاري الذي يشكل الناظم للاجتماع السياسي والمرجع في سلوك المسلمين أفرادا ودولا ومؤسسات”.
وأردف: “كبداية، نطرح على المؤتمر الكريم مجموعة من المنطلقات التي يمكن لأي دولة إسلامية أن تتبناها بغض النظر عن نظامها السياسي:
هل هناك من يشك في أن انطلاقة الأمة وعودتها إلى موقعها الطبيعي بين الأمم مرتبط بشكل وثيق بالتخلص من النفوذ الأجنبي غربيا كان أو شرقيا؟ وهل أن الأمة الإسلامية عاجزة عن السير في عملية التحرير السلمي لقرارها السياسي والإقتصادي والأمن الغذائي لدولها وشعوبها والأمن الإقتصادي عموما، وصولا إلى أمنها الثقافي والإجتماعي … ؟
إننا لو تركنا مسألة التصنيف المذهبي ونظرنا إلى الحواضر الإسلامية التي يغلب عليها مذاهب الأخوة الُسنَّة بعيداً عن الشيعة ما هو حالها أمنيا واقتصاديا وسياسيا؟ هل يمكن مثلا لمصر (110مليون) أن تمنح يدها العاملة لزراعة السودان (40 مليون نسمة) المسمى إهراءآت العالم اليوم؟ فتؤمن أمنَها الغذائي وأمن السودان وبقية الدول المحيطة في أفريقيا وآىسيا. وهل من المسموح للممالك والإمارات في الخليج أن توظِّف أموالها في تنمية دول عربية وإسلامية أخرى بحيث تستفيد الدول من التجربة الماليزية مثلا وتتجه نحو سياسات مخالفة لإرادة البنك الدولي وصندوق النقد؟ ومن يتدخَّل تارةً لمصلحة المغرب وتارةً لمصلحة الجزائر في مشكلة الصحراء الغربية؟ ومن دمَّر سوريا لأنها وصلت إلى الأمن الغذائي ولم تكن مديونة قبل الحرب العالمية عليها؟
إن الدول بأنظمتها الحالية أثبتت أنها بدون معونة الأمة بكل قواها الحيّة على الأقل عاجزة عن القيام بما عليها… وهاهي مأساة فلسطين ماثلة أمامنا تفضح واقع الأمة التي تكتفي بمشاهدة المجازر المروعة وتعجز عن المبادرة. فعلى الأمة واجب التحرك السلمي والمدني الفاعل لاجتراح وإبداع أشكال التكامل الإقتصادي والتأسيس عليه لمزيد من التكامل السياسي والثقافي والإجتماعي.
لا يكفي أن نُعالج آثار التبعية والتدخلات الأجنبية، إذا لم نطوِّر فهمنا للإسلام الحضاري الجامع فنتخلَّص به ومعه من أثقال التخلُّف التي تقف في وجه روح الشريعة، وتورثنا بعض العادات الجاهلية، التي تجعل من مجتمعنا أسير الماضي العاجز عن مواجهة تحديات الحاضر، والإستعداد لتحديات المستقبل”.
وفي الختام، قال: “إن مصلحة الأمة الإسلامية بكل تنوعاتها تكمن في التخلُّص من التبعية بالتكامل ومواجهة التخلُف بنور الإسلام الحضاري الجامع، وهذا هو المنطلق الجامع الجديد لرسالة التقريب. لذلك، نقترح تطوير أُطر العمل بالتعاون بين الدول الإسلامية، واعتماد مقاربة جديدة وواقعية تعتبر أن الغاية من جهود التقريب تتحقق عندما تتعاون الدول الإسلامية فيما بينها معتمدةَ مصلحة الأمة كمعيار لكل الجهود. وهذا يتطلب توطيد أسس الوحدة الوطنية في كل دولة وفتح نوافذ التواصل بين الشعوب وحكوماتها وبين الدول الإسلامية بعضها البعض، بأساليب مترفعة عن كل العصبيات لخدمة كل إنسان والإنسان كله، على أمل أن يتوصل هذا المؤتمر إلى حلول إبداعية تتجاوز كل الأطر التقليدية للإرتقاء إلى مستوى التحدي، وفتح الأبواب بين الدول الإسلامية بروح الإسلام الحضاري الواحد العابر للمذاهب، مع الإحترام لخصوصية كل دولة وثوابتها”.