بعيداً عن العمل الأمني الذي قامت به إسرائيل يومي الثلاثاء والاربعاء والذي ادى الى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، من عناصر “حزب الله” ومن المدنيين، وبعيدا ايضا عن الاغتيال الكبير الذي نفذته ضد قادة “وحدة الرضوان”، الا أن المعركة بين “حزب الله” واسرائيل كانت في كل الاحوال ستأخذ في الايام الماضية، وبالتوازي مع التصريحات الرسمية الإسرائيلية منحى مختلف ومسارا تصعيديا كبيرا، اذ بات من الممكن الحديث عن مرحلة جديدة بدأت ليس من الممكن توقع كيف ستكون نهايتها، وما اذا كانت ستؤدي الى تدحرج سريع وكبير في الاحداث ام ان التطورات السياسية ستفرض العودة الى المستوى السابق من الاشتباك. من هنا يصبح لزاماً التعامل مع الفترة الممتدة من اليوم حتى الانتخابات الرئاسية الاميركية بأسلوب مختلف.
بدأت اسرائيل قبل ايام التمهيد لإعتبار جبهة لبنان جبهة اساسية وجبهة غزة جبهة ثانوية، وهذا ما حصل بشكل تدريجي، اذ من المرجح ان العملية الامنية التي قامت بها اسرائيل كان يجب ان تكون بداية التصعيد لو انها اصابت “حزب الله” في مقتل، او اقله ادت الى تضرر بنيته العسكرية على الخطّ الامامي وهذا ما لم يحصل، الا ان تل ابيب أصرت على التصعيد لتبدأ تكثيف عملياتها الجوية الى مستوى واسع جداً وهذا ما دفع الحزب الى الردّ بطريقة مماثلة حيث كثف ضرباته بشكل متناسب، على قاعدة التصعيد بالتصعيد من دون احتساب الرد على الاعمال الامنية التي تحصل.
ساعدت الاستهدافات الامنية التي حصلت في ايصال عملية الضغط على “حزب الله” الى ذروتها، اذ ان التصعيد كان سيحصل بهذه العمليات او بدونها، لكن حصولها يساعد في دفع الامور نحو الضغط الاقصى، وهذا يعني ان المسار التصعيدي مرتبط بشكل كبير بالظروف السياسية، فنتنياهو يريد تحقيق هدف استراتيجي كبير متمثل بإعادة نحو ٢٠٠ الف مستوطن اسرائيل الى مناطق شمال فلسطين المحتلة لتخفيف ضغط هؤلاء عليه واستفادة معارضيه من هذه الورقة للتصويب عليه، من هنا يصبح المسار الفعلي هو فرض ايقاف النار على “حزب الله” بالقوة او عبر الوسائل الديبلوماسية.
واذا كان الحرب الكبرى غير محبذة اسرائيليا لان الواقع البنيوي للجيش الاسرائيلي وتحديدا للقوات البرية سيء بعد نحو سنة من المعارك في غزة والشمال، وامكانية ان تؤدي الحرب الشاملة الى رفع مستوى المخاطر المرتبطة بتهجير عدد اضافي من المستوطنين وهذا سيزيد من ازمة نتنياهو الداخلية، لذلك فقد لجأ الى التصعيد الكبير من دون الذهاب الى الحرب.
وتعتبر المصادر ان اسرائيل مقتنعة بأن “حزب الله” والمحور كله لا يريد الحرب قبل معرفة نتيجة الانتخابات الاميركية، لذلك فهو يرفع مستوى جرأته في الاستهدافات، ومن المتوقع الا يبقى المحور صامتاً مما سيدفع التصعيد خطوات اضافية الى الامام في الايام المقبلة ليبقى مضبوطا تحت سقف الحرب الشاملة والواسعة وليبقى استهداف المدنيين امرا محدودا مقارنة بالحروب السابقة، علما ان هذا المستوى من الاشتباك قد يؤدي الى اشتعال الحرب بشكل واسعة من دون ارادة المتحاربين…