كتب ابراهيم بيرم في” النهار”: لم يكن إطلاق “حزب الله” لشعاره المرحلي الجديد “الحساب المفتوح”، وفي المقابل إفراج الإسرائيلي عن عصارة توجهه المستقبلي بإعلاء حديثه عن تصفية الحساب النهائي مع الحزب إلا بعد ليلتين ناريتين وجه فيهما الحزب نيران صواريخه نحو أهداف أوسع مدى في الشمال الإسرائيلي حتى حدود حيفا، فجعل العدو يلجأ إلى رد بعنصر التفوق لديه وهو سلاح الجو الذي لم يترك دسكرة في الجنوب والبقاع إلا أنزل عليها حمم قذائفه .
هذا الاداء من كلا طرفي الصراع، سمح للخبير الإستراتيجي في صراعات المنطقة والباحث والأكاديمي طلال عتريسي بتبني استنتاج مؤداه أن “مرحلة عض الأصابع بين الطرفين قد بدأت لتوها ويصعب استشراف نهاياتها”.
ويقول : “لقد صار لزاما على كل من المقاومة والإسرائيلي اللجوء إلى التصعيد، واجتراح أساليب تصعيدية غير مسبوقة إلى أن يأتي حين من الدهر ويقرر الأميركي التدخل الجاد والحاسم، أو أن يحسم أحد طرفي الصراع الموقف الميداني لمصلحته”.
ويستطرد: “بما أن الأميركي ليس مهيأ بعد لممارسة الضغط الجاد على الإسرائيلي بغية العودة إلى مربع التفاوض المفضي إلى تسويات ووقف للنار، فهو سيكتفي بتكرار الدعوات لضبط النفس وخفض منسوب التوتر درءا للانزلاق إلى حرب مفتوحة. وبما أن إمكان الحسم العسكري لدى أي من الطرفين يبدو صعبا جدا، فالاستنتاج أن المعركة الحالية ستكون بلا سقف زمني وسيكون الأساس فيها التصعيد والزج بكل الأسلحة المؤذية والأساليب المؤدية إلى إلحاق أكبر أذى بالعدو، وإطالة المعركة بهدف استزاف قوى الخصم”.
وردا على سؤال، يؤكد عتريسي أن الإسرائيلي “يعمل جاهدا لتكرار نموذج ما فعله في غزة، فهو كما صار معلوما ترك الوضع هناك غير محسوم، بل إنه مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها الاستنزاف الدائم، ولا يمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد كل ما فعله بغزة وأهلها من أعمال إبادة وتدمير أن يرفع شارة النصر ويزعم أنه حسم الموقف الميداني، إذ ليس خافيا أن مقاتلي حركة “حماس” يظهرون دوما في كل غزة ويهاجمون دوريات الاحتلال وينزلون الخسائر فيها، وهو (الإسرائيلي) أيضا يأبى التفاوض ويرفض كل الصيغ والعروض المقدمة لذلك بما فيها العرض الأميركي نفسه. وبمعنى آخر، ترك الوضع في غزة معلقا ليزعم أنه قد سخر كل إمكاناته القتالية لـ”جبهة الشمال”، أي في مواجهة “حزب الله”، على أمل أن يحسم الوضع هناك ويجبر الحزب على قبول وقف النار وإنهاء جبهة إسناده ليتاح له إعادة سكان من مستوطنات الجليل الأعلى الذين فروا بالآلاف منذ بداية الأحداث هربا من نيران الحزب .
ويمضي عتريسي في قراءته قائلا: “بما أن القرار الأميركي والغربي يمنع أي حرب مفتوحة على الحدود، فالاستنتاج الواضح أننا في طريقنا إلى مراوحة طويلة ومؤذية، على أمل أن يطلق أحد طرفي النزاع الصرخة أولا، وهو أمر لا يبدو واردا عند الإسرائيلي ولا عند الحزب، لذا علينا توقع المزيد من جولات العنف والضربات المتبادلة “.