“الوضع لم يعد عاديا وبات يتطلب التعامل معه بأسلوب جديد وأدوات جديدة لمواجهة ما فرضه من تداعيات” ، يقول مصدر لصيق بحزب الله، مؤكدا ان في الافق ما يبعث على توقع الكثير من التطورات على الجبهة الجنوبية خصوصا بعد مجزرة “البايجر” والـ”ووكي توكي” التي ذهب ضحيتها نحو 4000 شخص بين قتيل وجريح ومن ثم اغتيال القائد العسكري لحزب الله ابراهيم عقيل وبعض رفاقه وعشرات القتلى والجرحى المدنيين في الهجوم الجوي الاخير على الضاحية الجنوبية لبيروت.
Advertisement
وتنقسم الأوساط السياسية في استقرائها لمستقبل الأوضاع بين متخوف من نشوب حرب تتحول تدريجا حربا شاملة وآخر يستبعد هذه الحرب ويتوقع استمرار حرب الاستنزاف السائدة على الجبهة الجنوبية وامتدادها إلى الداخل من خلال الاعتداءات الإسرائيلية التي تطاول احيانا الضاحية الجنوبية وعمق منطقة البقاع.
والذين يتوقعون الحرب يقولون أنه بعد إغتيال إسرائيل لعقيل ورفاقه بقصف جوي للمبنى الذي كانوا يجتمعون فيه، لم يعد هناك شيء اسمه “قواعد اشتباك” وأن الوضع بات مفتوحا على كل الاحتمالات ومنها احتمال الحرب المفتوحة إذ لم يعد في إمكان حزب الله أن يستمر في مراعاة هذه القواعد خصوصا وأن ما ارتكبته إسرائيل خلال الأيام الأخيرة كان بمثابة جريمة ابادة جماعية تعادل استخدام سلاح دمار شامل أو ذري لأن الذين انفجرت بهم أجهزة “البايجر” و”الووكي توكي” وبعدما قتل منهم من قتل غدوا معاقين بغالبيتهم فبعضهم بترت ايديهم وبعضهم الآخر فقدوا ابصارهم، وهذه جريمة لا يمكن الحزب أن يستوعبها ولا يرد عليها. ولذلك كان قصفه لقاعدة رامات دافيد العسكرية والجوية ومراكز شركة رافاييل للصناعات العسكرية في حيفا وما حولها وما بعدها ما سماه “دفعة اولى على الحساب” حسب تعبير نائب الامين العم للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي اعلنها محطة جدية من المواجهة مع اسرائيل يتحت عنوان “معركة الحساب المفتوح”.
وقبل هذا الرد كانت اوساط قيادية في حزب الله، كما اوساط بيئته الحاضنة تضج بوجوب ان يتم الرد على الهجمات الاسرائيلية الثلاثة ايا كانت مآلات الاوضاع بعد هذا الرد “لأن الوضع لم يعد عاديا وبات يفرض ردا غير عادي لا مفر منه”.
السيناريو الذهبي
وقبيل الرد ايضا كان المصدر اللصيق بحزب الله يقول:”واضح من قول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة بعد تفجير أجهزة الاتصال أن الرد على العدو الإسرائيلي الذي ارتكب هذه الجريمة سيكون “من حيث يحتسب” وهو الميدان في الجنوب، و”من حيث لا يحتسب” وهو رد فني ـ عسكري. وإنه زاء ما حصل مجدداً من أغتيال لعقيل ورفاقه لم يعد في إمكان الحزب البقاء في موقع متلقي اللكمات ودعوة الناس إلى الهدوء. وفي هذا المجال واضح تماما أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد جر المشهد إلى حرب مفتوحة بمعنى أنه يريد هذه الحرب بأي ثمن.
ولكن في مطلق الحالات، يقول المصدر اللصيق نفسه، إن الحزب يجد نفسه أمام مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات فإذا تداعت الى حرب فلتكن الحرب. فما يمكن فعله يجب فعله لان الحزب لا يمكنه ان يتحول كيس ملاكمة يتلقى اللكمات فقط، في وقت قال وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت بصراحة “أننا سنستكمل عملياتنا حتى في الضاحية الجنوبية لبيروت”.
ويلفت المصدر الى “ان الفجوة التقنية كبيرة بين حزب الله وبين الاسرائيلي الذي يريد الحرب المفتوحة فيما الحزب لا يريدها ولكنه بات بعد الآن مضطرا الى الرد بقوة اكبر وعلى مستويات مختلفة مهما تكن تداعيات الموقف، وإلا فإن الاسرائيلي سيتعاطى معه على اساس انه مهزوم، ويدعوه الى الطاولة والتوقيع”.
وكذلك يشير المصدر الى الموقف الاميركي فيقول “ان واشنطن لا تريد التصعيد ولكن هذا الموقف مائع ويصب في نهاية المطاف في مصلحة اسرائيل وهذا امر واضح لا لبس فيه، وعودة حاملات الطائرات الى المنطقة تعني ان الاميركي يقول لمحور المقاومة:”ان عليك ان لا تذهب بعيداً لأنه في حال تطورت الاوضاع سأكون الى جانب اسرائيل”.
هدف مزدوج
على ان بعض الأوساط السياسية المعنية تؤكد ان القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية وبعض المناطق الذي اوقع مدنيين إلى جانب حزبين هو قصف مزدوج الهدف: الاول تأليب بيئة المقاومة والحاضنة الشعبية لحزب الله عليه، والثاني النيل من البنية العسكرية والمعنوية للحزب وذلك في إطار الاستهداف الدائم لقادة المقاومة التي يرى انها تهدد أمن اسرائيل وجودها.
وتقول هذه الاوساط أن المقاومة باتت بعد اليوم في موقع لا يمكنها إلا الرد على كل عدوان تتعرض له، لكن ردودها ستبقى ضمن حدود قواعد الاشتباك التي توسعت هذه المرة لتطاول حيفا وما حولها مع الحرص على عدم الذهاب إلى الحرب الشاملة التي يدفع إليها نتنياهو او على الاقل يوحي بها لأنه لو كان يريد الذهاب إليها لكان فعل ذلك فور ارتكابه مجزرتي “البايجر” والـ”ووكي توكي” التي كانت ستربك الحزب وتشغله عن الانخراط في هذه الحرب يما يمكن الاسرائيلي من إلحاق الهزيمة به.
استعادة الردع
ويقول هؤلاء أن نتنياهو كان ولا يزال يسعى جاهدا إلى استعادة قوة الردع التي فقدها بعد “طوفان الاقصى” لكنه حتى الآن وعلى رغم من كل ما ارتكبه من مجازر في قطاع غزة، كما في جنوب لبنان، لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف أي استعادة قوة الردع بدليل أنه لم يحقق أي من اهداف حربه على قطاع غزة بالقضاء على حركة “حماس” وعلى جبهة الشمال بالقضاء على حزب الله الذي يساند “حماس” حيث يشن عليه حرب استنزاف منعته من القضاء على قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية التي يخوضها على جبهة الجنوب ضد الجيش الإسرائيلي . على أن المصادر تؤكد أن الردود التي بدأها الحزب سواء جاءت منفردة أو شاملة مع إيران والحوثيين فإنها في حجمها وطبيعتها تراعي إمكانية عدم الانزلاق إلى الحرب الشاملة التي يريد نتنياهو شنها تحت عنوان “إعادة النازحين إلى المستوطنات الشمالية” فيما هو يدرك إن عودة هؤلاء تتم تلقائيا بمجرد أن يوقف النار في قطاع غزة. والملفت في هذا المجال ما قاله الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي في تعليقه على تطورات الوضع بعد العمليات الأمنية التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله من “أن إسرائيل المريضة تهرب من حرب غزة الى حرب أخرى” فيما يبدي الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس قلقه من “تحويل لبنان غزة أخرى”. فيما يعلن نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم “اننا لن نحدد كيفية الرد على العدوان وقد دخلنا مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح”.
وقف الاسناد
ويقول آخرون أن نتنياهو يريد من الحرب أو أي عمل عسكري آخر ضد حزب الله تحييده عن إسناد غزة ما يجعله كأنه يلعب لعبة شفير الهاوية، فهو يدرك انه بجيشه المنهك لا يستطيع الذهاب إلى الحرب الشاملة ولكنه يوحي بأنه يستعد لها تحت العنوان الانساني: “اعادة النازحين الى المستوطنات الشمالية” الذي يلقى قبولا دوليا لكنه يدرك أن هذه الحرب تحتاج إلى موافقة أميركية وتحالف دولي وكلا المسالتين غير متوافرتين،كذلك يحتاج إلى موافقة داخلية اسرائيلة هي الأخرى غير موجودة لان هناك انقساما داخليا حول توسيع الحرب من عدمه،ولكنه مع ذلك يحتاج إلى الاستمرار في الحرب لإدراكه أن تراجعه عن خياراته العسكرية سيكون هزيمة ذات أبعاد وجودية بالنسبة إليه شخصيا وكذلك بالنسبة إلى الكيان الاسرائيلي برمته، ولذلك سيبقى هاربا من هذه الهزيمة الى “الحرب المحدودة” لكي يمد له احد “طوق النجاة”، وهذا “الأحد” لن يكون في النهاية سوى الولايات المتحدة الاميركية. ولذلك سيبقى الوضع في بين منزلتي حرب استنزاف متمادية و حرب شاملة مستبعدة.