حلّت النكبة يوم الاثنين الماضي واستشرست إسرائيل بعدوانها مستهدفة منازل المدنيين والقرى والبلدات في قلب الجنوب والبقاع، في حملة دموية همجية واسعة أطلقت عليها تسمية “سهام الشمال”. أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى والآف النازحين والمهجّرين من بيوتهم هرباً من الدمار والمجازر التي ارتكبها العدو في يوم واحد! موجة نزوح كبيرة شهد عليها الأوتوستراد الساحلي من الجنوب نحو بيروت. أعداد غير مسبوقة من النازحين من أقضية بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا، صور، النبطية، الزهراني وصيدا.. لبنانيون غدرت بهم إسرائيل ليصبحوا مشرّدين عن مسقط رأسهم، على الطرقات في سياراتهم، باحثين عن أماكن آمنة مهما كلّفهم الأمر بـ”الفريش”!
Advertisement
سماسرة وأرقام عون “وهمية”
لا تخلو المصائب من سماسرة الظروف.. لا دين لهؤلاء ولا انتماء! فالمشاهد القاسية والحملة الشعواء التي شنّها العدو على أهل الجنوب والبقاع والهرمل لم تردع محبّي المال ولم تلن قلوبهم من استغلال رائحة الموت والدمار، بل زادت جشعهم بفعل أقبح من القباحة، وبدل تقديم يد العون حاولوا مصّ دماء النازحين ببدل ايجارات تتخطى المعقول والمقبول؛ ليصبح خيار المبيت داخل السيارات في الطرقات الأنسب للكثيرين.
وتشير الناشطة نعمت بدر الدين في حديثها لـ”لبنان 24″ الى أن المنازل الصغيرة التي تتسع لـ5 أشخاص في منطقة البساتين، طالب مالكوها بايجار يبلغ 1200 دولار أميركي للشهر الأول ثم 800 دولار أميركي عن الشهر الثاني والثالث على أن تدفع ايجارات الأشهر الثلاثة الأولى سلفاً، بعدما كان ايجار المنزل 700 دولار أميركي للشهر الواحد قبل النكبة.
وفي منطقة الحازميّة حيث المنازل المفروشة يبلغ ايجارها 1000 دولار شهرياً فطلب من النازحين دفع كلفة سنة كاملة سلفاً، أي دفع 12000 دولار أميركي لقاء امنهم!
أمّا عن الأرقام التي عممت ليل الاثنين على المواطنين الراغبين في الحصول على منازل آمنة مجاناً، فتبيّن أنها “ادعاءات في الهواء”؛ فبحسب بدر الدين لم يردّ أحد على الاتصالات.
الانتفاع من الأزمة لم يقف عند هذا الحدّ، اذ أقدم البعض على ايهام المواطنين بجمع تبرعات للنازحين من دون ان تصل المساعدات للعائلات الوافدة! وقد أهاب محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود بالمواطنين، قبل التبرع بأي مواد عينية أو مادية وغيرها التأكد من هوية الاشخاص التي تحاول الحصول على تلك التبرعات، بعد أن كثرت الشكاوى عن عمليات “نصب” تحت مسمى مساعدة النازحين.
الخيارات المتاحة أمام الجنوبيين
بالرغم من ان”اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات” عممت لائحة للمدارس المخصّصة لإستقبال النازحين من المناطق المتضررة في مختلف المناطق، غير ان بعض المناطق تشهد إقبالاً اكثر من سواها وتعتبر الوجهة الأولى لدى الكثير من الوافدين من الجنوب، ووفقاً لبدر الدين اصبحت المناطق كالاقليم، برجا، جدرا، صوفر، عاليه ممتلئة بفعل الطلب الكثيف لايجاد أماكن سكن وايواء فيها.
وتوضح بدر الدين ان مدرسة النجدة الشعبية في برجا، ثانوية برجا، مدارس الشويفات، مدارس الإقليم وعاليه امتلأت بالنازحين الجنوبيين.
وتلفت ابنة النبطية والناشطة في مبادرة “بيتي بيتك” الى انها توجّه الوافدين نحو مناطق الشمال، نظراً لانها اقلّ ضغطاً وحركة تجاوب المواطنين مع نداءات المساعدة وتوفير المساكن مرتفعة، كما ان توجيه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بفتح فنادق زغرتا امام النازحين زاد اقبال الافراد للتوجه الى هناك. كما تؤكّد أنها تبتعد عن الأماكن التي أظهرت استغلالاً لظروف الحرب.
وتقول بدر الدين إن “بيتي بيتك”، وهي مباردة عابرة للطوائف والمناطق بدأت بعد انفجار المرفأ أعيد تفعيلها قبل حوالى عام، وتضمّ جمعيات ومؤسسات تتعاون لتقديم المساعدة للنازحين، تمكّنت من تأمين مساكن لبض الوافدين في منطقة شربيلا بعكار والسنديانة ومنيارة والكورة وطرابلس.
كذلك، تتابع ان قسماً من المجموعة يضغط لفتح المدارس ببيروت، فثانوية شكيب أرسلان مثلاً فتحت أبوابها، بعد مساعي احد شباب المجموعة، لاستقبال وافدين كانوا قد باتوا في مركباتهم في الرملة البيضاء امس وامنت لهم 20 غطاء (حرامات) للأطفال المتواجدين معهم.
كما تشير الى أن 140 عائلة تمّ ارسالهم الى فندق “كواليتي إن” في طرابلس، غير ان المكان لا يزال يفتقر للكهرباء والمياه حتى الآن.
وفي خضم حديثها لـ”لبنان 24″، تعبّر بدر الدين عن خيبتها من بعض “المندفعين” للمساعدة بالقول، إذ ان عدداً من الأفراد منح رقمه لتامين مساكن ايواء الّا انه “عند الجد” اختفت الأماكن، لذا تقول الناشطة: “نطلب من النازحين التوجّه أوّل 24 ساعة الى المدارس المعدة للايواء وتسجيل أسمائهم كي تشملهم خطة الطوارئ، كما التواصل مع البلديات ونيل الوجبات والفراش والأغطية؛ على أن تتضح الصورة أكثر بعد مرور 48 ساعة ونجد مساكن آمنة لهم من دون تعرضهم للاستغلال”.
تكاتف وتعاون لتجاوز الأزمة
مبادرات ومساعي عدة أطلقت لمساندة أهل الجنوب والبقاع، لكن الحاجة لا تزال كبيرة للخدمات اللوجستية في مختلف مراكز الايواء.
في هذا الشأن، تناشد بدر الدين الجمعيات والمؤسسات للتكاتف مثل ما حصل بعد انفجار مرفأ بيروت.
أما عن المستلزمات الأكثر حاجة لتوفيرها للوافدين الى المراكز، فهي ثياب الاطفال، الفرش، الاغطية (الحرامات)، الادوية وأدوات المطبخ.
وعن كيفية تقديم العون، تحثّ بدر الدين الراغبين في المساعدة الى التوجه الى مدارس ايواء النازحين وتقديم أمور من المتوفر في منازلهم كالثياب والمواد الغذائية. كما يمكن مساعدة الوافدين من الجنوب الى مساكن قريبة غير مفروشة، فهم بحاجة ماسة أيضا الى أدوات مطبخ وفراش، وفقاً لبدر الدين.