حزب الله من دون نصرالله غير حزب الله مع قاسم وصفي الدين

30 سبتمبر 2024
حزب الله من دون نصرالله غير حزب الله مع قاسم وصفي الدين


مع غياب السيد حسن نصرالله الأمين العام السابق لـ “حزب الله” عن مشهدية الحياة السياسية في لبنان، تدخل “المقاومة الاسلامية” مرحلة جديدة  مغايرة ومختلفة  بظروفها وحيثياتها عن المرحلة السابقة، بسلبياتها وإيجابياتها، مع ما كان للراحل الكبير من بصمات واضحة على مدى أثنتين وثلاثين سنة، والتي لن يستطيع أحد سواه تعبئة هذا الفراغ الذي نتج عن عملية الاغتيال، خصوصًا في ظروف غير مؤاتية لـ “الحزب”، لا ميدانيًا بعدما انكشف مخابراتيًا، ولا سياسيًا بعدما تراجعت شوكته الأمنية، ولا اقليميًا بعد المواقف الملتبسة، التي اتّخذت في إيران، إلى حد ذهاب البعض إلى التلميح بأن طهران قد تخلت عنه في هذه المرحلة المفصلية.

Advertisement

فالذين أحبّوه إلى حدود “التأليه” و”العبادة” بكوه كثيرًا، وهم كانوا حتى قبل الإعلان الرسمي عن استشهاده مستعدين لكي يفدوه بدمائهم وأرواحهم. أمّا الذين لم يكونوا على مسافة واحدة معه في التوجهات وفي السياسات وفي الاستراتيجيات فلم يبكوا، لكنهم تهيّبوا الموقف. لم تغلب عليهم الشماتة، بل قدّروا ووقفوا بإجلال ووجل أمام هذا الحدث المهيب، واحترموا شعور الكثيرين من اللبنانيين، الذين كانوا يعتبرون الراحل بمثابة والد وأخ لكل واحد منهم آمن بما كان يعتقد أنه قد يساهم في انقاذ لبنان مما يتخّبط به.
نكون من مشوّهي الوقائع أو من مزّوري التاريخ إن قلنا إن الفئة التي تختلف مع بيئة “الثنائي الشيعي” في أمور كثيرة كانت تحب “السيد الراحل”، ولكن نكون مجافين للحقيقة إن لم نقل إن غيابه بهذه الطريقة المأسوية لم يؤلم معظم الذين ينتمون إلى هذه الفئة، التي على رغم أنهم كانوا يرون فيه “مشروعًا إيرانيًا”، وأنه “خاطف الدولة ومصادر لقرارها في الحرب والسلم”، لم يكونوا يتمّنون أن يكون لديهم زعيم أو أكثر يشبه “السيد حسن”، بصدقه ونظافة كفّه وقوة شخصيته وعناده في ما يؤمن بأنه حق، وبإخلاصه لقضيته.
لا شك في أن الفراغ الذي سيتركه نصرالله بغيابه المفجع والمأسوي كبير جدًّا على المستويين الوطني والحزبي، وهو الذي ملأ بمواقفه وقراراته واستماتته في الدفاع عمّا يعتقده صائبًا. فلبنان من دونه لن يكون كما كان معه، حتى ولو كان كثيرون ممن لم يتوافقوا معه على سياساته يتهمونه بأنه خطف لبنان وأخذه رهينة.
وكما أن لبنان لن يكون من دونه كما كان معه فإن “حزب الله” بغير قيادة حسن نصرالله لن يكون كما لو كان لا يزال على قيد الحياة. فهو الذي أوصله إلى المرتبة التي وصل إليها، وهو الذي جعله قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب، وإن كان البعض يرى أن هذه القوة هي من ورق، وذلك نظرًا إلى عدم تمكّن “الحزب” من ردّ الكيل كيلين لعدو لا يقيم وزنًا لا للقيم ولا لكرامة الانسان، ويستبيح كل شيء.
فـ “حزب الله” مع الشيخ نعيم قاسم مؤقتًا، أو على الأرجح مع السيد هشام صفي الدين لاحقًا، سيستمر حتمًا، وهو القائم على نظام تراتبي لا تتأثر تركيبته بأي تغيير في المسؤولية، ولكنه سيفتقد حتمًا إلى ما كان لنصرالله من حضور مميز في المجالس ومن على المنابر، لأنه كانت لديه صفات قيادية لم تتوافر لغيره إلا لقلائل في لبنان والعالم العربي والعالم قد سبقوه إلى “النجومية الجماهيرية”.
وبهذه الصفات الفريدة استطاع نصرالله أن يوصل حزبه إلى العالمية. وما يثبت هذه المعادلة أن العالم لم يشهد من قبل مثل هكذا موجة من الحزن، حتى من قِبل من كانوا يعادونه ويرون فيه مشروعًا لا يتلاقى مع مشاريعهم.
وما يزيد من ثقل المسؤولية الملقاة مؤقتًا على كاهل الشيخ قاسم أن “الحزب” يتعرّض اليوم لأقسى محنة في تاريخه، ليس بسبب الاستهدافات الإسرائيلية لقياداته ومنصات صواريخه فحسب، بل لأن الدعم الإيراني، الذي كان مطلقًا على مدى السنوات الأخيرة، لن يكون كذلك اليوم ولا بعده. فرياح التغيير بدأت تلفح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعيد ترتيب أولوياتها وفق ما تقتضيه مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، من دون أن يعني ذلك أن دعم طهران لـ “حزب الله” سيوقف، ولكن لن يكون مستقبلًا كما كان في الماضي.
فاليوم الإيراني لا يشبه الأمس.