قلب واحد تحت القصف قصة التضامن اللبناني في وجه إسرائيل

30 سبتمبر 2024
قلب واحد تحت القصف قصة التضامن اللبناني في وجه إسرائيل


كنبراس يبدد ظلمات المحنة، تجلت صورة التضامن الأخوي في لبنان بشكل استثنائيّ يعبّر عن التعاضد بين أبناء الشعب الواحد.. فرق، مجموعات، جمعيات، منظمات، مبادرات فردية، وغيرها الكثير من اشكال التجمع تجسّدت بصورة أبناء وإخوة وأصدقاء، تأهبوا لاستقبال إخوانهم من الجنوب، والهدف إغاثتهم إلى جانب الدولة، وتأمين ما يحتاجوه من ملابس وطعام ودواء…

هي صورة واحدة تقاسمتها كافة المناطق اللبنانية. ففي جولة لـ”لبنان24″ على عدد من المراكز في مناطق الجبل، خاصة في عاليه وبحمدون وصوفر، تجلّت صورة يمكن اختصارها بكلمتين: صورة “لبنان الرسالة” الذي رغم بطش العدو الذي يحاول أن يبث رسائل وسم التفرقة بين أبنائه، ظلت هذه الرسالة حيّة، لتجسّد أبهى صور الإنسانية.
الكلمات وحدها لا تستطيع أن تنقل المشهد، وهذا ما شهدناه على الأرض .
من كافة الأعمار يتجمهرون حول مراكز الإيواء والمدارس، يربطون ليلهم بنهارهم.. هم مجموعات منظمة، يعملون بين بعضهم البعض، ويستفيدون من تأجيل وزير التربية عباس الحلبي موعد بدء العام الدراسي، إذ يقول وسام، وهو متطوّع في إحدى بلدات صوفر لـ”لبنان24″ أن موعد تأخير بداية الثانوية سمح له أن يتواجد هو وأكثر من 25 طالبًا آخر على الأرض ليقوموا بتأمين وتوزيع احتياجات النازحين.
ويقول وسام أن معظم المدارس باتت تشهد بشكل يوميّ حملات إنسانية لإغاثة النازحين، بغض النظر عن المساعدات التي تؤمنها الدولة، مشيرًا إلى أن عملية تقديم المساعدات لا تقتصر فقط على المجموعات الاساسية التي تتابع بشكلٍ يوميّ أوضاع النازحين، إنّما هناك مبادرات فردية منزلية من نساء قرّرن ان يقدمن وجبات غذائية على قدر استطاعتهن، بالاضافة إلى تأمين الملابس والمستلزمات الشخصية.
ويوضح وسام أن الصعوبة التي بتنا نواجهها اليوم لا تتعلق بالمساعدات أو تأمينها، إنّما بتأمين غرف للنازحين الجدد الذين توافدوا عقب الضربات الإسرائيلية، وهذا ما يشكّل تحديًا كبيرًا امامهم، علمًا أن عددًا كبيرًا من الاهالي لا يزالون يبيتون لياليهم على الطرقات بانتظار انتهاء حزام النار على الضاحية، خاصة أن العدد الأكبر لا قدرة لهم على استئجار البيوت، وهذا ما يعيدنا إلى مشهدية العام 2006، إبّان الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي دمّرت بيروت. آنذاك، تقول المصادر الاقتصادية ان الوضع كان أفضل مما هو عليه اليوم، أقله من الناحية الاقتصادية، إذ إن الحاضنة العربية للبنان كانت أكبر بكثير، وهذا ما ساهم بضخ الاموال بشكل أكبر لمساعدة اللبنانيين.
وتؤكّد هذه المصادر أن مجرد المقارنة ما بين وقائع الاقتصاد بين 2006 واليوم يتضح لنا أن حركة الشركات، بالاضافة إلى الأعمال الفردية، واستمرارية عمل المصارف التي لم تتوقف، كان لها اثر كبير على مساعدة النازحين، الذين كان لديهم القدرة على سحب أموالهم من حساباتهم المصرفية، والتي كانت تشكل دعمًا كبيرًا لهم، على عكس اليوم، والصورة على الأرض تعكس هذا الواقع.

وعلى الرغم من المرحلة الاقتصادية والامنية الدقيقة التي تمرّ على لبنان، كانت محطة لافتة للمبادرات الفردية من قبل أصحاب المشاريع التجارية، وهنا نذكر المطاعم، الفنادق، والمؤسسات الصناعية والانتاجية على اختلافها، التي جنّدت طاقم عملها ليكون في خدمة النازحين.
“مطعم الرويا” هو محطة من بين عدد من المحطات، قرّر صاحبه حسين مروة الذي نزح من الزرارية إلى مغدوشة أن يفتتح مطعما له قبل نحو شهر.. وعلى الرغم من أن مطعمه يعتبر من المطاعم الجديدة، ابى مروة إلا أن يكون متواجدًا بين النازحين من الجنوب، مقدمًا 550 وجبة طعام بشكل يومي.
ويشير مروة لـ”لبنان24″ انّه يحاول منذ بدء النزوح أن يقدم بشكل يومي هذا العدد من الوجبات، واضعا مطبخه وفريق عمله في خدمة النازحين.
ويشير مروة الى انه حتى الآن لا يزال يقوم بهذه المبادرة من أمواله الشخصية التي يجنيها من عمل المطعم، موضحًا أن إحدى الجمعيات أبدت استعدادها للتعاون معه، من خلال تأمين المنتجات الغذائية المخصصة لعمل الوجبات اليومية.

ومن مطعم الرويا الجديد، إلى اكبر مطعم في الجنوب، مطعم المختار، الذي رفض إلا أن يكون متواجدًا ايضا على الأرض من خلال فريق عمل كبير كرّس خدماته للنازحين، منذ اليوم الأول من بدء الجولة الجديدة من الضربات الإسرائيلية على لبنان.
“لبنان24” رصد العمل داخل المطعم.. خلية نحل تعمل بلا توقف، وحسب تعبير صاحبه جهاد يوسف، فإن ما يقوم به ما هو إلا وفاء لزبائنه وأهالي الجنوب، الذين اعتادوا على زيارته.
ويشير يوسف إلى أنّه منذ اليوم الأول فتح المطعم أبوابه للنازحين وبدأ بتقديم قرابة 3000 وجبة، بالاضافة إلى شراء المطعم 300 فرشة للنوم، قبل أن يطلب أحد النواب أن ينتقل النازحون إلى المدارس بعد فتحها، حيث ضاعف المطعم وجباته اليومية، ووصلت إلى قرابة 8000 وجبة.
ما يحصل اليوم يجسّد فعلا تاريخ اللبنانيّ القائم على تكريس معنى الوطنية وتخطي الخلافات.. تاريخ طبع له صورة استثنائية في هذا الشرق، الذي ظل مقاومًا، صامدًا، بأبنائه واطيافه، متخطيا خسارة الافراد لأجل بقاء الوطن والكيان.