“لن نتزحزح قيد أنملة عن موقفنا ومستمرون في مساندة غزة وفلسطين والدفاع عن لبنان وشعبه”. لعلّ هذه العبارة “المفتاحية” التي وردت في كلمة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، في أول موقف رسميّ للحزب منذ اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله، تختصر الرسالة التي يريد الحزب إيصالها، وقوامها أنّ الجريمة التي ترقى لمستوى “الزلزال”، لن تنجح في دفع الحزب نحو التراجع أو الخضوع أو الاستسلام.
وإذا كانت هذه الرسالة سبق أن وردت ضمنًا في بيان النعي الذي أصدرته العلاقات الإعلامية في “حزب الله” يوم السبت، حين عاهدت قيادة الحزب “الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى”، أن تواصل “جهادها في مواجهة العدو، إسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لنبان وشعبه الصامد والشريف”، فإنّها اقترنت هذه المرة برسالة “طمأنة” للجمهور مفادها أنّ إسرائيل لن تتمكّن من المساس بقدرات حزب الله، وأنّ الحزب سيخرج منتصرًا من المعركة.
وبموازاة رسالة “الصمود” هذه، إن جاز التعبير، جاءت كلمة الشيخ نعيم قاسم أيضًا بأبعاد “تنظيمية”، حيث حرص على تأكيد “السلاسة” في الهيكلية التنظيمية لـ”حزب الله”، باعتبار أنّ “الخطط البديلة” وُضِعت حيّز التنفيذ، وأنّ قيادة الحزب ستختار أمينًا عامًا جديدًا في أقرب وقت، وفقًا للآلية المتبعة، وهو ما يطرح السؤال عن مدى قدرة الحزب على “تجاوز” الاغتيال الأقسى ربما في تاريخه، وعن خياراته المفتوحة في المرحلة المقبلة.
رسالة “صمود ومقاومة”
يقول العارفون إنّ كلمة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” التي أعلِن عنها قبل ساعة واحدة من موعدها، جاءت في محاولة من قيادة الحزب لطمأنة الجمهور والتخفيف من هواجسه، خصوصًا بعد حالة الإحباط التي أصابته في مكانٍ ما في أعقاب الاغتيالات المتكرّرة، والتي وصلت إلى أوجها مع اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الذي أحدث “صدمة” في صفوفهم، ولّدت “نقمة” لدى الكثيرين منهم، حتى على الحلفاء والأصدقاء المفترضين.
واقترنت رسالة الطمأنة هذه برسالة صمود ومقاومة، أصرّ المعنيّون على أن تتضمنها كلمة الشيخ نعيم قاسم، التي كان واضحًا أنّها مكتوبة ومدروسة بعناية في كل تفاصيلها، بعيدًا عن الارتجال الذي كان الشهيد نصر الله يتقنه، وقد حرص الحزب من خلاله على التأكيد أنّه استوعب “الصدمة”، وأنّها لن تؤثّر على قدراته العسكرية، التي يحتفظ بها الحزب، تأكيدًا على ما كان السيد نصر الله قاله في آخر خطاباته أيضًا، بعيد مجزرتي أجهزة الاتصال.
وفي السياق نفسه، يقول العارفون إنّ البعد الأهمّ في رسالة الصمود يكمن في الثبات على المعادلة التي كان السيد نصر الله قد كرّسها على امتداد الأشهر الماضية، وكرّرها في خطابه الأخير، خصوصًا لجهة الربط بين جبهتي لبنان وغزة، علمًا أنّ هذا الأمر برز أيضًا في “التكتيك” الذي اعتمده الحزب بالاستمرار بالعمليات على خطّ الجبهة بعد الاغتيال، “بالوتيرة نفسها وأكثر”، وهو ما أوصل رسالة بأنّ الحزب “لن يرضخ” تحت الضغط.
“لا فراغ”
بالتوازي مع رسالة الصمود والمقاومة، جاءت أهمية كلمة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أيضًا على المستوى “التنظيمي”، لجهة التأكيد على أنّ الاغتيالات المتكرّرة التي وصلت إلى الأمين العام، لم تؤثر على الهيكلية التنظيمية والبنية الداخلية، تمامًا كما أنّها لم تؤثر على القدرات العسكرية، استنادًا إلى قاعدة “لكل قائد بديل” التي يعمل على أساسها الحزب، وقد وضع خططًا بديلة في حال غياب أو إصابة أيّ قائد، مع ضمان وجود من ينوب عنه.
بحسب العارفين، فإنّ هذه القاعدة تعتبر “ذهبية” بالنسبة إلى “حزب الله”، وهي التي تجعله محصّنًا وقادرًا على تجاوز كلّ المحن والصعوبات، علمًا أنّ الاغتيالات التي حصلت لقادة الحزب أخيرًا، وقبلها مجازر أجهزة الاتصال، كان يمكن أن تطيح بحزبٍ آخر، إلا أنّ الحزب الذي جهّز خططًا بديلة، استطاع أن يتكيّف مع الضغط الناجم عن هذه المجازر، ولو أنّها انطوت في مكانٍ على “خلل” ينبغي التوقف مليًا عنده، والقيام بمراجعة شاملة.
ويسري الأمر نفسه على منصب الأمين العام، الذي شغر باستشهاد السيد حسن نصر الله، فحتى لو أنّ الأخير سيترك برأي كثيرين “فراغًا كبيرًا”، بعدما تولّى زمام الأمانة العامة لثلاثة عقود، كانت استثنائية بأتمّ معنى الكلمة، إلا أنّ الثابت أنّ هذا الفراغ لن يستمرّ طويلاً، إذ ثمّة آلية تنظيمية ستُعتمَد لملئه، وهو ما سيحصل قريبًا جدًا، علمًا انّ قاسم حرص على تأكيد “السلاسة” في هذا السياق، بالقول إنّ الخيارات سهلة وواضحة، “لأننا على قلب رجل واحد”.
يقول العارفون إنّ رسائل “الصمود والمقاومة” التي يحرص “حزب الله” على توجيهها، من باب رفع معنويات الجمهور “المُحبَط” في مكانٍ ما، والتأكيد على استمرار المواجهة حتى النفس الأخير، لا تعني الانغلاق في الوقت نفسه، على احتمال التسوية بالمفاوضات، ولكن وفق المعايير والشروط والمبادئ التي رسّخها السيد الشهيد حسن نصر الله، ولا سيما أنّ دماء الأمين العام زادت الضغط، لأنّ أحدًا لن يقبل أن تذهب هدرًا..