منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” قبل نحو عام، وفتح جبهات الإسناد في دول عدّة، ولا سيما في لبنان واليمن والعراق، يتكرّر سؤالٌ واحدٌ على كلّ الألسنة، يتمحور حول “سيناريوهات” الحرب الإقليمية الشاملة، التي قُرِعت طبولها أكثر من مرّة، من دون أن تفضي إليها، نتيجة ما قيل إنّه “تقاطع مصالح” بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خاص، لا يرى فيها أيّ مصلحة يمكن البناء عليها.
وفي حين تجاوزت الحرب الشاملة أول “امتحان” خضعت له بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وردّ طهران الذي وُصِف بـ”المدروس”، أو ربما المفصَّل على قياس عدم الذهاب إلى حرب، فإنّ أسهم هذه الحرب عادت لترتفع بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، قبل أن تنخفض من جديد على وقع عدم تنفيذ إيران لتهديداتها بالردّ على الجريمة، الذي بدا “مؤجَّلاً” إلى أجلٍ غير مسمّى.
لكن، مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان بصورته الأكثر دمويّة قبل نحو أسبوعين، بدأت الأمور تأخذ منحى دراماتيكيًا مختلفًا وصل إلى ذروته مع الاغتيال الصادم للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، الذي دفع طهران على ما يبدو إلى التراجع عن سياسة “ضبط النفس”، وفق توصيفها، وشنّ هجوم صاروخي واسع على إسرائيل، فكيف يُقرَأ هذا الهجوم في الموازين الإقليمية، وهل يقرّب عمليًا الحرب الإقليمية الشاملة التي كثُر الحديث عنها؟!
دلالات الهجوم الإيراني
صحيح أنّ القراءات للهجوم الإيراني تتفاوت، وفقًا للأهواء السياسية، بين من رأى فيه “فشّة خلق” بعد سلسلة من الضربات التي تعرّض لها محور المقاومة في الفترة الأخيرة، ومن اعتبره “قويًا ونوعيًا”، وربما غير مسبوق، ومن اعتبره “ضعيفًا” لا يرقى لحجم الاغتيالات التي طالت قيادات الصف الأول في محور المقاومة، ولا سيما أنه لم يؤدّ إلى أضرار حقيقية وخسائر بشرية يمكن البناء عليها، ولو أعلن الإيرانيون إصابة 90 في المئة من الأهداف المبتغاة.
إلا أنّ الثابت الذي يتقاطع عليه جميع المراقبين، باختلاف وجهات نظرهم، يبقى أنّ الهجوم الإيراني كان واسعًا هذه المرّة، ومختلفًا عن هجوم شهر نيسان الماضي الذي وصفه كثيرون بـ”المسرحية” حينها، ولا سيما مع التأهّب المُسبَق لاستقبال الصواريخ بعد ساعات من إطلاقها، في ظلّ تسريباتٍ تحدّثت يومها عن تفاهمات سبقت الهجوم، والردّ الإسرائيلي عليه، بما يضمن عدم الانجرار إلى حرب إقليمية لم تكن في مصلحة أيّ طرف.
وبمعزل عن النتائج المباشرة للهجوم الإيراني، يتحدّث العارفون عن دلالاتٍ مختلفة تعكس أهميته، من بينها حالة الاستنفار والفوضى التي عاشتها إسرائيل، ولو لم تدم أكثر من نصف ساعة، خصوصًا بعدما هرع آلاف المستوطنين إلى الملاجئ، وأغلق المسار الجوي بالكامل، وكلّها مؤشّرات دلّت على أنّ الهجوم أحدث حالة ارتباك في الداخل الإسرائيلي، ولعلّ هذا بالتحديد كان الهدف منها، بعيدًا عن الأضرار المباشرة.
الحرب الشاملة وشيكة؟
عمومًا، وبمعزل عن القراءة الموضوعية للهجوم الإيراني، فإنّه طرح سلسلة من علامات الاستفهام حول التبعات المحتملة له على مستوى الصراع في الشرق الأوسط، في ظلّ انطباع سائد بأن الحرب الشاملة باتت أقرب من أيّ وقت مضى، خصوصًا بعدما طبّق العدوّ الإسرائيلي نظرية “وحدة الساحات”، من خلال توسيع معاركه وتصعيدها، من غزة إلى لبنان، مرورًا باليمن، وتهديده الآن بالردّ على الهجوم الإيراني من جديد.
فعلى الرغم من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف هجوم طهران بـ”الفاشل”، إلا أنّه قال في الوقت نفسه إنّ طهران ارتكبت “خطأ كبيرًا وستدفع ثمنه”، على حدّ وصفه، فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إنّ الرد على الهجوم الإيراني “هذه المرة سيكون مختلفًا”، وهو ما عكسه أيضًا المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري بقوله إنّ “لدى الجيش خططًا هجومية، وإنّ القرار المناسب سيتم اتخاذه في الوقت المناسب”.
انطلاقًا من ذلك، يقول العارفون إنّ هذا القرار هو الذي سيرسم “سيناريوهات” الحرب الشاملة على المستوى العملي، إذ إنّ قرارًا باستهداف منشآت إنتاج النفط في إيران، أو مواقع استراتيجية أخرى، كما أشارت بعض التسريبات، قد يُفهَم على أنه “إعلان حرب” لن يكون بإمكان طهران عدم الرد عليه، ما من شأنه أخذ الصراع إلى مكان آخر، ولو أنّ الإدارة الأميركية ستحاول عدم الوصول إلى مثل هذا السيناريو، وفق ما تقول التسريبات.
في ردود الفعل على الهجوم الإيراني، عبّر كثيرون عن خشيتهم من أن تكون نتيجته الذهاب إلى حرب شاملة يسعى كلّ الأطراف إلى تجنّبها منذ عام كامل، وسط ترقّب للردّ الإسرائيلي المحتمل عليه. إلا أنّ المفارقة التي يتوقّف الكثيرون عندها أيضًا تكمن في أنّ الهجوم الإيراني، حتى لو افترضه البعض “تصعيديًا”، يندرج في خانة “الرد” على حروب إسرائيلية لا تنتهي، وقد حصدت عشرات آلاف الشهداء حتى الآن، من دون أن ينجح أحد في إيقافها!