ذكرت مجلة “Foreign Affairs” الأميركية أن “الضربات الصاروخية الباليستية التي شنتها إيران على إسرائيل في الأول من تشرين الأول أثارت مخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط. وبدأت دوامة إراقة الدماء المتفاقمة في السابع عشر والثامن عشر من أيلول بتفجير آلاف أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر حزب الله في مختلف أنحاء لبنان. وكانت الغارات الجوية المستمرة في بيروت وجنوب لبنان بمثابة أعنف هجوم إسرائيلي منذ 11 شهراً من التصعيد المتبادل.ففي 27 أيلول، وجهت إسرائيل ضربة مدمرة لحزب الله باغتيال أمينه العام حسن نصر الله في غارة جوية على إحدى ضواحي بيروت. وعلى الرغم من الهزيمة الأخيرة وتدمير هيكل الحزب القيادي، إلا أنه يواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل. من جانبها، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، والآن يستعد الإيرانيون للانتقام الإسرائيلي. ويبدو أن دورة العنف لم تنته بعد”.
وبحسب المجلة، “إن هذه الحلقة الأخيرة تؤكد الانهيار شبه الكامل للردع في الشرق الأوسط، فالجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية تخوض مخاطرات هائلة. إن قرارات إسرائيل باغتيال نصرالله، وتكثيف الضربات على لبنان، وحتى البدء في غزو بري، تشير إلى احتمال أكثر قتامة: كانت عملية أجهزة النداء تهدف ببساطة إلى وضع حزب الله في موقف دفاعي تمهيدا لتدخل عسكري إسرائيلي أكثر توسعا. إن التصعيد الأخير يكشف عن حقيقة أن المنطقة أصبحت أكثر خطورة منذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول والصراع الذي أعقبه في غزة، فالشرق الأوسط لم يعد ملزماً بقواعد الاشتباك وأساليب الردع الراسخة”.
وتابعت المجلة، “إن الولايات المتحدة قادرة على إعادة بناء نفوذها المتراجع والقيام بدور حاسم في استعادة الردع في منطقة حيث تشعر الدول والجماعات المسلحة الآن بالقدرة على التصرف بتهور، ولكن يتعين عليها أولاً أن تدرك أن سياساتها الحالية غير كافية وعفا عليها الزمن. فهي لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الأساليب العسكرية التقليدية للردع والتي تفشل في مراعاة التحولات التي تهز المنطقة. كما ويتعين على واشنطن أن تساعد كافة الأطراف على تقليل احتمالات سوء التقدير والعمل على وقف تآكل الردع الذي أشعل العنف. وإذا لم تفعل ذلك، فإنها ستخاطر بالانجرار إلى صراع إقليمي له عواقب عالمية”.
وأضافت المجلة، “لقد تسارع تآكل الردع في الشرق الأوسط بسبب تحول أوسع نطاقا، وهو تصور أن الهيمنة الأميركية في المنطقة آخذة في التضاؤل. فمع محاولة صناع السياسات الأميركيين الابتعاد عن الشرق الأوسط، سعت الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى الاستفادة من ذلك، معتقدة أنها تستطيع الآن تأكيد وجودها بحرية أكبر في السعي إلى تحقيق أهدافها. وتحقيقا لهذه الغايات، فقد تعززت هذه الجهات بفضل سهولة الوصول إلى الطائرات من دون طيار والصواريخ التي تضعها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. وقد دفعها هجوم السابع من أتشرين الأول إلى اغتنام الفرص لإحداث الاضطرابات. ورغم أن إسرائيل ألحقت بكل من حماس وحزب الله انتكاسات شديدة، فإن الاضطرابات التي أطلقتها الجهات الفاعلة غير الحكومية سلطت الضوء على أزمة الردع”.
وبحسب المجلة، “أدى انهيار الردع إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل. فالهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل ردا على اغتيال نصرالله ليس سوى أحدث حلقة من المواجهة المباشرة بين الخصمين.ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح أكثر استعداداً لتحمل مخاطر أكبر، كما يتضح من اغتيال نصرالله والضربات المستمرة على لبنان، والعمليات الاستخباراتية الجريئة ضد حزب الله، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في تموز الماضي. وإذا أخذنا هذه التحركات مجتمعة، فإنها تشير إلى أن الزعيم الإسرائيلي مستعد للمقامرة على أن مضاعفة القوة العسكرية لاستعادة الردع وتعطيل التهديد الذي يشكله محور المقاومة يفوق مخاطر إثارة حرب إقليمية”.
ورأت المجلة أن “الشرق الأوسط يعيش لحظة خطيرة، كما وإن الهوامش المتاحة لمنع اندلاع حرب شاملة أصبحت أضيق من أي وقت مضى. والأمر الأكثر خطورة هو أن الجهود الرامية إلى إعادة بناء الردع تقتصر إلى حد كبير على استخدام القوة. فكل جانب يصعد عسكريا لردع الجانب الآخر، والفشل في الرد بالقوة على عمل عدواني من شأنه أن يدعو إلى المزيد من الاستفزاز، ولكن إذا أقدم أحد الطرفين على الرد بالقوة فقد يؤدي إلى المزيد من التصعيد. وفي كلتا الحالتين، من المرجح أن يتصاعد العنف إلى حد لا يمكن السيطرة عليه”.
وبحسب المجلة، “يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد تقييم نهجها في التعامل مع منطقة أصبحت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل فيها حقيقة واقعة. وعلى الرغم من تحالفها الوثيق مع إسرائيل ودعمها الحاسم للجيش الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من ثني نتنياهو عن رفع الرهانات. ويتعين على واشنطن أن تعمل على تطوير نهج جديد يستخدم كل أدوات القوة الأميركية لمعالجة واقع الشرق الأوسط الجديد الأكثر خطورة، وينبغي لهذه الاستراتيجية الجديدة أن تبني على الحالات التي تم فيها تحقيق الردع وخفض التصعيد، ولو مؤقتا، على مدى الأشهر الـ11الماضية”.
وتابعت المجلة، “بوسع الولايات المتحدة أن تدعم الوساطة الهادئة التي تقوم بها أطراف ثالثة من خلال دول مثل عُمان، التي لعبت دوراً حاسماً في تمرير الرسائل بين الولايات المتحدة وإيران خلال لحظات التوتر الشديد. كما ينبغي لها أن تنظر في إنشاء شبكة من الخطوط الساخنة بين إسرائيل ومصر ودول الخليج وإيران لمساعدة المسؤولين على حماية أنفسهم من المواجهة غير المقصودة. ويتعين على الدول أن تعتمد على أطراف ثالثة لها علاقات مباشرة مع الفصائل الموالية لإيران، بما في ذلك الجهات الفاعلة الحكومية مثل قطر والجهات الفاعلة السياسية ، للحفاظ على خطوط الاتصال مع الجهات الفاعلة غير الحكومية. وفي الحالات الأكثر خطورة، ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لديها خط ساخن مباشر مع إيران”.
وأضافت المجلة، “رغم أن الولايات المتحدة اعتمدت عليها في بعض الأحيان أكثر مما ينبغي، فإن العقوبات الاقتصادية قد تكون أداة فعّالة للسياسة الأميركية في المنطقة ما دامت منسقة ومدروسة على النحو اللائق. وقبل فرض عقوبات جديدة، يتعين على الولايات المتحدة أن تجد السبل الكفيلة بفرض العقوبات القائمة بالفعل على نحو أفضل. كما وإن الولايات المتحدة قادرة على المساعدة في ردع العنف في المنطقة من خلال تعزيز قدراتها العسكرية. ولكن قبل إطلاق أي صواريخ، يتعين على واشنطن أن تدرك الدور الأساسي للدبلوماسية في بناء الردع”.
وختمت المجلة، “في غياب هذه الإصلاحات، يصبح الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. فقد فشلت نماذج الردع القديمة في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، حيث تتمتع الجهات الفاعلة غير الحكومية بسهولة الوصول إلى الطائرات من دون طيار وغيرها من التقنيات المتطورة في الحرب. ولن يتسنى لنا تجنب الكارثة إلا من خلال إعادة تشكيل النهج الأميركي الحالي للردع في الشرق الأوسط”.
المصدر:
ترجمة “لبنان 24”