الحراك السياسي يتقدّم.. هل يلبّي الأفرقاء نداء اللقاء الثلاثي؟!

8 أكتوبر 2024
الحراك السياسي يتقدّم.. هل يلبّي الأفرقاء نداء اللقاء الثلاثي؟!


في وقتٍ تستمرّ الآلة الحربيّة الإسرائيليّة بارتكاب المجازر الوحشيّة والدمويّة على امتداد المساحة الجغرافية اللبنانية، ولا سيما في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، من دون أن توفّر مناطق أخرى متى شاءت، تنشط الاتصالات السياسية على أكثر من مستوى، في محاولة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء العدوان، ولكن أيضًا لتحريك الاستحقاقات السياسية المجمّدة، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية.

 
ضمن هذه الاتصالات، برز ما وُصِف بـ”اللقاء الثلاثي” الذي عقد قبل أيام في عين التينة، وجمع إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وخرج عنه بيان مشترك أكد التزام لبنان بالنداء الذي صدر عن دول عدّة لوقف إطلاق النار والشروع في تطبيق القرار 1701، بالتوازي مع انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يطمئن الجميع ويبدد هواجسهم المختلفة.
 
وعلى الرغم من بعض الانتقادات “الشكلية” للقاء، بمعزل عن مضمونه “الوطني”، فإنّ ما يتّفق عليه الجميع أنّ النداء الذي صدر عنه أسّس لمروحة جديدة من الاتصالات، “أنعشت” في مكانٍ ما الحراك السياسي، بموازاة الجبهات العسكرية المفتوحة على مصراعيها، كما حرّك ملف انتخاب الرئيس، الذي يدرك الجميع ضرورة وجوده لمواكبة مرحلة المفاوضات، فهل يتّحد مختلف الأفرقاء، بمعزل عن خلافاتهم، ليلبّوا “النداء الثلاثي”، إن صحّ التعبير؟
 
أهمية الموقف اللبناني “الموحّد”
 
ينطلق العارفون من الدينامية التي تجلّت في اللقاء الثلاثي بين ميقاتي وبري وجنبلاط، والتي استُكمِلت بمجموعة لقاءات ثنائية عقدت بينهم وبين مختلف الكتل النيابية، للحديث عن موقف جامع أسّس له هذا الاجتماع، يقوم على عناوين وطنية خالصة، لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي المتمادي ضدّ لبنان، قوامها تنفيذ النداء الدولي الذي وافقت عليه عشر دول لوقف إطلاق النار لمدّة 21 يومًا، يصار خلالها إلى استكمال المفاوضات للوصول إلى حلّ دبلوماسي.
 
وعلى الرغم من انتقاد البعض لغياب المكوّن المسيحي عن هذا اللقاء في الشكل، وهو ما يعزوه البعض إلى المواقف المسبقة لبعض الأطراف، ولا يعكس بأيّ شكل من الأشكال رغبة بعزل أيّ طرف، أو إنشاء “جبهة” من أيّ نوع، فإنّ أهميته تبقى في المضمون المتّفَق عليه بين جميع الأطراف، والذي أكّدت عليه القوى المسيحية بعد ذلك، ويقوم على توحيد الجهود من أجل وقف إطلاق النار، والعمل مع المعنيّين من أجل الوصول إلى حلّ دبلوماسيّ.
 
ولعلّ الإشارة الواضحة والصريحة في هذا البيان وما تلاه من مواقف رسمية، إلى القرار الدولي 1701، وضرورة تطبيقه كاملاً، تكتسب أهمية استثنائية، ولا سيما لجهة “إرسال الجيش إلى منطقة جنوب الليطاني؛ ليقوم بمهامه كاملةً بالتنسيق مع قوات حفظ السلام في الجنوب”، علمًا أنّ هذا الأمر يشكّل “جوهر” النداء الدوليّ، بما يتيح التعاون الكامل بين الجيش وقوات اليونيفيل، علمًا أنّ هناك من يؤكد انفتاح “حزب الله” على هذا الخيار.
 
انتخاب الرئيس “الوفاقي”
 
في بيان اللقاء “الثلاثي” أيضًا إشارة أثارت اهتمام الكثيرين، في ما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث دعا المجتمعون الشركاء في الوطن إلى “سلوك درب الوفاق والتلاقي تحت مظلة الوطن الواحد والدستور والمؤسسات الجامعة والاضطلاع بمسؤولياتنا الوطنية المشتركة عبر انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يُطمئن الجميع ويُبدّد هواجسهم”، وهو ما فُسّر إيجابًا بالنسبة إلى العارفين، للعديد من المؤشّرات التي توحي بليونة مستجدّة.
 
من هذه المؤشّرات مثلاً الحديث عن رئيس “وفاقي” تحديدًا، بحيث لا يكون محسوبًا على أيّ طرف، وهو ما يمكن أن يُفهَم على أنّه تبنّ لـ”الخيار الثالث” الذي قيل سابقًا إنّه يحظى بدعم دوليّ، ولو أنّ هناك من يصرّ على اعتبار هذا المرشح أو ذاك “وفاقيًا” بشكل أو بآخر، علمًا أنّ الأهمّ من ذلك بحسب كثيرين، عدم الإشارة بالمُطلَق إلى الحوار الذي كان يُعتبَر “شرطًا” للانتخاب، وقد أضحى بحدّ ذاته بندًا خلافيًا على الطاولة.
 
ويقول العارفون إنّ هذه المؤشرات تعكس في مكانٍ ما اقتناع جميع الأطراف بأنّ انتخاب الرئيس الذي يشكّل نقطة تقاطع بين المعسكرين، بات أكثر من ضروري في هذه المرحلة، بمعزل عن كل الخلافات السابقة التي أحاطت بهذا الاستحقاق، ولا سيما أنّ وجود هذا الرئيس لم يعد ترفًا في ظلّ المتغيّرات الكبرى الحاصلة، حتى يكون لبنان حاضرًا على طاولة المفاوضات، وقادرًا على التعبير عن موقف واحد موحّد من الحرب المستمرّة ضدّه.
 
رسم البيان الصادر عن اللقاء الثلاثي، والمتناغم مع النداء الدولي حول الحرب على لبنان، “خريطة طريق” الحلّ الدبلوماسيّ المنشود، بدءًا من وقف إطلاق النار كمدخل لتطبيق القرار الدولي 1701، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون قادرًا على الجمع بين اللبنانيين في إحدى أكثر المراحل حساسيّة وخطورة، خريطة طريق قد لا يكون البديل عنها سوى تعميم “الكارثة” بما لا يقوى أحد على تحمّله!