في مدينة صيدا في جنوب لبنان، لم تخرج المراكب فجر الثلاثاء إلى البحر لجلب السمك الذي يشكل مصدر رزق مئات العائلات، بعدما أنذر الجيش الإسرائيلي السكان بالابتعاد عن المنطقة البحرية “حتى إشعار آخر”.
من سوق السمك في المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يقول محمّد بيضاوي، عضو نقابة صيادي الأسماك في صيدا: “تبلّغنا بشكل رسمي عدم الإبحار من قبل الجيش اللبناني، ممنوع خروج أي بحار”، منذ التاسعة من مساء الإثنين.
يشرح الصيّاد اللبناني وهو يقف وسط السوق الذي افتقد زحمته الاعتيادية: “نحن ملتزمون بالقرار، والسوق مفتوح لتفريغ ما تبقى من سمك ثم إغلاقه”.
الصياد أبدى خشيته على مستقبل مئات العائلات التي تؤمّن قوتها اليومي من الصيد إذا ما طالت المحنة.
كذلك، يؤكد صيادون آخرون لفرانس برس بأنهم تبلغوا من الجيش اللبناني أن من يريد الإبحار منهم، فسيكون ذلك على مسؤوليته الخاصة.
يقول بيضاوي إن “وضع البحارة تعيس حتى قبل إغلاق السوق”، موضحاً أن نحو 400 عائلة في المنطقة تعتاش من صيد السمك أي “5 آلاف إلى 6 آلاف شخص”، مضيفاً: “سيسوء الوضع إذا توقفنا عن العمل، من سيساعد البحارة؟ ومن سيقدم لهم الطعام والحليب للأطفال؟ لا أحد يهتم لحالنا ” .
منذ مساء الإثنين، سارع عدد من الصيادين الى نقل مراكبهم من ميناء صيدا إلى مناطق في شمال الأولي، كما أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية، ليتمكنوا من مزاولة عملهم.
وحذّر الجيش الاسرائيلي في بيان مساء الإثنين أنه سيعمل “في الوقت القريب في المنطقة البحرية ضد أنشطة حزب الله”، قائلا إن “التواجد على الشاطئ وتحركات القوارب في منطقة خط نهر الأولي جنوبا يشكلان خطرا على حياتكم”.
ويصب نهر الأولي في مدينة صيدا على مسافة حوالى 60 كيلومترا شمال الحدود بين لبنان وإسرائيل.
“لا نعمل، لا نأكل”
في سوق السمك المركزي حيث كانت ترتفع أصوات الباعة وتُعرض أنواع عدة من السمك الطازج، بدت الحركة خفيفة. يقول أحد الباعة إن الجيش أعاد الصيادين الذين أبحروا ليلا مع الغلة التي كانوا قد جمعوها.
ويثير هذا التوقّف قلق الصياد عصام حبوش على مصير عائلته. يشاهد الرجل حزينا المراكب الراسية على الشاطئ، الواحد قرب الآخر.
ويشرح الصياد وهو يقف قرب مركبه قائلاً: “أصبحنا مثلنا مثل المهجرين داخل البلد، هناك مساعدات كثيرة تأتي من خارج البلاد، لينظروا في أمرنا قليلا”.
وتسبّبت الحرب بين إسرائيل وحزب الله وتكثيف إسرائيل قصفها على مناطق واسعة في جنوب وشرق لبنان وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بتهجير أكثر من 1.2 مليون شخص من بيوتهم، منهم من فقد منزله، واحتمى في مراكز إيواء، بينما استأجر آخرون بيوتا أو قطنوا لدى أقاربهم، أو لجأوا إلى الشارع.
ويوضح أن “طبيعة عملنا تفرض أن نعيش كل يوم بيومه. عندما لا نعمل، لا نأكل”.
وبحسرة، يشاطره الصياد حمزة سنبل المخاوف نفسها وقال حزينا “أصبحنا بلا عمل”.
لا مراكب في بحر لبنان
تصطاد قوارب الصيادين في لبنان بين 3 آلاف إلى 3500 طن من الأسماك سنويا، بحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة، الفاو، يعود لعام 2021.
من جانبه، يقول مدرب الغوص مروان حريري، 47 عاماً: “منذ الأمس أنا محبط ومكتئب” بسبب التحذيرات الإسرائيلية.
وخسر حريري 70% من طلابه خلال العام الفائت الذي شهد تبادلا لإطلاق النار عبر الحدود بين حزب الله واسرائيل، معظمهم من جنوب لبنان.
ويستعيض حريري مؤخرا عن الدروس بالخروج بمركبه الصغير لصيد الأسماك، وهو ما يشكّل له “متنفسا مع توقّف العمل”، بل إنه تحول إلى مصدر دخل إضافي، حسب ما يقول.
وقبل أن ينشر الجيش الإسرائيلي تحذيره الإثنين، كان يجني حريري 56 دولارا من بيع السمك الذي اصطاده.
ورغم الأجواء المواتية للصيد صباحا، قال إن “هذا الصباح لم يعد أي مركب، إنه لأمر محزن”، مضيفاً: “تأثرت من أجل الصيادين، يحزن المرء على حالهم”. (بلينكس – blinx)