طريق الشهادة الإيمانية من دمشق الى عشقوت.. الأخوة المسابكيون من التطويب الى التقديس

19 أكتوبر 2024
طريق الشهادة الإيمانية من دمشق الى عشقوت.. الأخوة المسابكيون من التطويب الى التقديس


على وقع صدى أجراس حاضرة الفاتيكان، يُكرِّسُ البابا فرنسيس غداً الأحد أكليل مجدٍ جديد يُضفَرُ على جبين الكنيسة المارونية مع إعلان الإخوة المسابكيين الثلاثة الشهداء الطوباويين: فرنسيس وعبد المعطي ورفائيل قدّيسين في الكنيسة الجامعة، استجابةً للالتماس الذي رفعه البطريرك الكاردينال بشارة الراعي، بإسم سينودس الأساقفة الموارنة في السادس من تموز 2022، وتدّبرَه بعنايته مجمع دعاوى التقديس برئاسة الكاردينال مرشيّلو سيميرارو.

التماسُ البطريرك الراعي انسحب أيضاً على الرهبان الفرنسيسكان الثمانية وهم سبعة إسبان ونمساوي والذين استشهدوا مع الإخوة المسابكيين في دمشق على يد مسلّحين مشاغبين إبان الثورة التي اندلعت في العام 1860، فتقرّر تقديسهم إنفاذاً لمبدأ وحدة الشهادة للمسيح من معمودية الماء المقدّس الى معمودية الدم الزكي، فمَن هم القديسون المسابكييون الجدد؟

هم ثلاثة أشقاء علمانيين: فرنسيس وعبد المعطي ورفائيل، ولدوا في حي مسبك البراني في محلة النصارى بدمشق الذي اشتهر بالأعمال الحرفية، لا سيما صياغة الذهب والفضة وحياكة القماش والتجارة على أنواعها، فعملَ الأخ الأكبر فرنسيس في تجارة الحرير وكان يملك محلاً في خان التُتّن في دمشق، وقد عُرِفَ بنشاطه وحسن إدارته واستقامته فكان موضع ثقة جميع مَن تعاطوا تجارة الحرير في سوريا وفي لبنان أيضاً، يشتري ويبيع بأمانة ويُسدّد المستحقات بصدقٍ ودقّة، فانتدبته البطريركية المارونية لإدارة بعض أمورها المدنية، وولّته عائلات لبنانية من آل الخازن والدحداح والبيطار وأبي اللمع ومراد وطوبيا وطعمه تيسير أعمالها وتصريف منتوجاتها، من هنا كان اختيار الكنيسة الكاثوليكية له شفيعاً “لرجال الأعمال”، وعُرف أيضاً بالجود وغوث الفقراء والمحتاجين والغيرة على بيوت الله مسيحية وإسلامية.

عبد المعطي قضى معظم حياته يعلّم في مدرسة دير الرهبان الفرنسيسكان اللغة العربية، وفي تعليمه كان كثير العناية بشرح مبادىء الدين المسيحي، حاثّاً على حب الله وتجنّب أسباب الخطيئة، ولما تعبَ من التدريس لتقدّمه في العمر فتحَ له أخوه فرنسيس حانوتاً، نقصَ رأسماله بدل أن يزيد لتسامحه في الكيل والسعر خوفاً على “راحة الذمّة” ما استوجب إقفال هذا الحانوت لاحقاً، وقد اختارته الكنيسة شفيعاً “للمعلمين والأساتذة”.

رفائيل وهو الأخ الأصغر للعائلة كان يثابرُ على الصلاة في الكنيسة نهاراً ومع العائلة مساءً، ويخدم باتضاعٍ ووداعةٍ واندفاعٍ بلا حدود واضعاً نُصب عينيه السيد المسيح وأمه العذراء، وهو شفيع “ذوي الاحتياجات الخاصة” كما أعلنت الكنيسة.

ذخائر القديسين الثلاثة ومعهم الرهبان الفرنسيسكان الذين قتلوا في يوم واحد ودفنوا جميعاً معاً في العاشر من تموز من العام 1860 في دير اللاتين في دمشق، استحال التمييز بين رفاتهم لدى الكشف على المدافن، علماً أن بعض المراجع أشارت الى أن “النصارى الذين قُتلوا في “المذبحة العمومية” قد دُفنوا في مغارة خارج المدينة تُدعى لهذا السبب”مغارة الشهداء”، أما الذين قُتلوا في دير الفرنسيسكان فقد دُفنوا معاً في كنيسة الدير نفسها، مع الإشارة الى أن هذه الذخائر عُرضت داخل صندوق زجاجي في كنيسة الدير المعروف بالدير الكبير، ثم في كاتدرائية مار أنطونيوس في مطرانية دمشق المارونية بباب توما (أبرشية دمشق في زمن المسابكيين كانت تمتد جغرافياً من ساحل المتن مروراً بكسروان وصولاً الى الشام) داخل صندوق جديد صُنع من خشب الأرز اللبناني، أما في عشقوت- كسروان، فقد تمَّ العثور داخل المقرّ الصيفي لأبرشية صربا المارونية على رسومٍ ورقيةٍ وقماشيةٍ للأخوة المسابكيين من زمن التطويب مع مخطوتَين يتناولان سيرة حياتهم، فضلاً عن وعاء يحتوي على حفنة من العظام طابقت ما لدى الفرنسيسكان من خليط الذخائر، وتبقى الإشارة الى وجود مدفنين في منطقة رأس النبع في بيروت لأحفاد الطوباوي فرنسيس وعبد المعطي، ما يُعزّز الروابط الروحية والتاريخية بين أولاد القديس مارون في المنطقة، كما في سائر العالم.

“هي رحلة عيش بطولة الفضائل من قبل خدّام الله الثلاثة نحو القداسة من دون حاجة الى إثبات أعجوبة ، على ما يقول راعي أبرشية صربا المارونية السابق المطران غي بولس نجيم ورئيس اللجنة الأسقفية المارونية لقضية الإخوة المسابكيين في لبنان، لكونهم شهداء الإيمان، فهم علمانيون ما يعني أن القداسة ليست وقفاً على الإكليروس بل استجابةً لدعوة المسيح للناس (كونوا كاملين)، وهم شهداء لأنهم اقتبلوا نعمة الاستشهاد بقناعة وشجاعة، وهم أخوة بالدم ما يعني الدعوة الى الأخوة العالمية الشاملة، لعلّ الله كما يقول المطران نجيم يمنّ علينا جميعاً بوحدة القلوب، فنكون يداً واحدة في تحقيق مشيئته، بشفاعة هؤلاء الشهداء من أبناء فرنسيس ومارون، كما على الأرض كذلك في السماء، وقد رُفعوا على مذابح الكنيسة الجامعة قدّيسين بين القدّيسين”.