قال وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب إنّ “لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دعم ومساندة العالمين العربي والإسلامي لإيقاف حرب إلغاء لبنان التنوع والتعايش بين الاديان والحضارات”.
وأكّد بوحبيب في الاجتماع الوزاري العربي – الإسلامي أنّ “لبنان عبّر بوضوحٍ عن موقفه ورؤيته لحلٍ مستدام من خلال التطبيقِ الشاملِ والمتوازي لقرارِ مجلس الأمن 1701”.
كلمة بوحبيب
“سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير خارجية المملكة العربية السعودية،
معالي السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية،
معالي السيد حسين إبراهيم طه، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي،
أصحاب السمو والمعالي والسعادة،
بدايةً أتقدمُ بالشكرِ من سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية على تلقّفِ واحتضانِ المملكةِ، بناءً على توجيهاتِ خادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لرغبةِ لبنان وفلسطين بعقدِ هذا الاجتماعِ الهام. وهذا الأمرُ ليسَ مستغرباً على ما عهِدَهُ لبنان من دورٍ تاريخيٍ رائدٍ وقائدٍ للمملكة بما يختصُ بالقضايا العربية.
والشكرُ موصولٌ أيضاً لمعالي السيد أحمد أبو الغيط، ومعالي السيد حسين إبراهيم طه، على الجهودِ والتحضيراتِ لانعقاد هذا الاجتماع.
أصحاب السمو، والمعالي، والسعادة،
تعلمون جيداً الظروفَ المأساويةَ التي يمرُّ بها لبنان وما وصلتْ إليه الأمور، حيث تقتلُ إسرائيل يومياً العشرات وأحياناً المئات بصورةٍ ممنهجةٍ لا تمييزَ فيها بين نساءٍ، وأطفالٍ، وشيوخٍ، وطواقمَ طبيةٍ، وصحافيين، ومدنيين.
كما لم يسلمْ تاريخُنا، وتاريخُ الإنسانيةِ جمعاء من معالمَ أثريةٍ تعودُ لآلافِ السنين، وبساتينَ زيتونٍ معمرةٍ، من التدميرِ والحرقِ، بهدفِ إنشاءِ منطقةٍ عازلةٍ على طول المناطقِ الحدوديةِ الجنوبيةِ للبنان، خاليةٍ من الحياة، وغيرِ قابلةٍ للعيش، ما يشكلُ نمطاً جديداً من “الإرهابِ البيئي” الهادفِ إلى ضربِ وانعدامِ الحياةِ البيولوجيةِ والإنسانية.
لقد حَمَلَ لبنان ما لا طاقةَ له على حَمْلِه، من أوزارِ وتبعاتِ القضيةِ الأولى للعالَمَيْن العربي والإسلامي، أي القضية الفلسطينية المحقّة. يحتاجُ لبنان اليوم، أكثرَ من أي وقتٍ مضى إلى دعمِ ومساندةِ العالَمَيْن العربي والإسلامي، طالباً أن تكونوا كما عهِدناكم في كلّ المحنِ والأزمات، السندَ والعضدَ والشقيقَ لإيقافِ حرب إلغاءِ لبنان التنوعِ، والتعايشِ بين الأديان والحضارات، هذه الحرب التي تشنُّها إسرائيل علينا، في محاولةٍ لإعادتِنا إلى العصرِ الحجري كما توعّدت به، لغاياتٍ ومصالحَ آنيةٍ، ورُبّما شخصيةٍ ونفعية.
السيد الرئيس،
لقد عبّرَ لبنان بوضوحٍ عن موقفِه ورؤيتِه لحلٍ مستدامٍ عبرَ المطالبةِ أولاً بوقفٍ فوري ٍلإطلاقِ النار، وإعادةِ الهدوءِ والإستقرارِ إلى الحدود، وعودةِ كافةِ النازحينِ من جانبي الحدودِ إلى مدنِهم وبلداتهِم وقراهُم، من خلالِ التطبيقِ الشاملِ والمتوازي لقرارِ مجلس الأمن 1701، بحيثُ تكونُ السلطةُ الشرعيةُ الوحيدةُ جنوبَ نهر الليطاني هي سلطةُ حكومةِ لبنان، ولا يكونُ هناك سلاحٌ دونَ موافقةِ حكومةِ لبنان وفقاً لما نصَّ عليه القرارُ المذكورُ أعلاه. وفي نفسِ الإطار، فإنَّ لبنانَ عازمٌ على تعزيزِ إنتشارِ قواتِه المسلحة في الجنوب اللبناني، وقد قررتْ الحكومةُ اللبنانيةُ تطويعَ وتدريبَ حوالي 1500 عسكري تمهيداً لإرسالِ 5000 جنديٍ إضافيٍ لينضموا إلى حوالي 4500 متواجدين أصلاً في هذه المنطقة. ونأملُ أيضاً دعمَكُم ومساندَتكم لتوفيرِ متطلباتِ هذا الإنتشار. لقد اعتقد بعضنا في لبنان بعد الاستقلال بأنّ قوتَنا في ضعفِنا، حتى تسارعت الأحداثُ وتبعاتُ القضيةِ الفلسطينيةِ في منتصفِ الستينات، وأفقدَتْنا القدرةَ على النهوضِ بقوانا الذاتيةِ الداخلية. لذلك، نطمحُ اليومَ إلى تصحيح ِهذا الخطأِ، ومؤازرَتِكم ودعمِكم كي نعزّزَ قدراتِنا الدفاعية للحفاظِ على سيادتِنا واستقلالِنا في وجهِ الأطماع ِالخارجيةِ التي تهدّدُ ترابَنا الوطني والمنطقة برمّتِها.
كما يُشددُ لبنان على تمسّكِه بقواتِ حفظِ السلامِ العاملةِ في الجنوب (اليونيفيل) وتقديرِه لما تقدمُه من تضحيات، وإدانتِه لأي إعتداءٍ يطال ُأفرادَها أو مقرّاتِها، ويتعهدُ بتعزيزِ التعاونِ معها وفقاً لمبادئِ وثيقةِ الوفاقِ الوطني حول بسطِ سلطةِ الدولة على كاملِ الأراضي اللبنانية، والتي أٌقِرَّت في مؤتمرِ الطائف ِفي المملكة ِالعربية السعودية.
السيد الرئيس،
إننا نرى أن أنصافَ الحلولِ من خلالِ وقفِ إطلاقِ النار وإعادةِ الإلتزامِ بتطبيقِ القرار 1701 أفضلَ بكثيرٍ من استمرارِ الحرب. لكنّ أقصرَ الحلول ِلإرساءِ هدوءٍ مستدامٍ جنوبَ لبنان بوابتُها الحلولُ الكاملة. هذا يعني بأنه كلما استمرت إسرائيل بخروقاتِها البريةِ والبحريةِ والجويةِ لسيادة لبنان، وكلما تهربَت من إظهارِ الحدودِ البريةِ المعترفِ بها دولياً والمرسّمة ِ بين لبنان وفلسطين عام 1923، والمصادق عليها في إتفاقيةِ الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية الموقعة في جزيرة رودوس عام 1949 بإشرافِ ورعايةِ الأمم المتحدة، كلما ساهمتْ بالتأسيسِ لحروبٍ مستقبليةٍ نعملُ جاهدين لتلافيها. فمنْ يريدُ العيشَ بهدوءٍ وسلامٍ مع محيطِه، ومنه لبنان، الذي اتخذ السلام في قمة بيروت العربية عام 2002 خياراً استراتيجياً، وتبنّى مبادرة السلام العربية التي تقدمَت بها المملكة العربية السعودية، عليه أن يوقفَ الخروقاتِ نهائياً واحتلالَ الأراضي اللبنانية.
السيد الرئيس،
كلّما طالت هذه الحرب، كلما زادَت معاناةُ اللبنانيين حيث نزح 1 من أصل 4 من سكان لبنان، أو ما يزيد عن مليونِ ونصفِ إنسانٍ يفتقرُ معظمُهم في أماكنِ نزوحِهم إلى أبسطِ مقوماتِ الحياة. ومن على هذا المنبرِ نجددُ شكرَنا لكلِ الاشقاءِ والأصدقاء ِالذين تفضلوا وقدّموا مساعداتٍ إنسانيةً نثمنُها ونقدرُها عالياً. فاحتياجاتُنا اليوم تفوقُ قدرتَنا وطاقتَنا، ونتوسمُ خيراً بمزيدٍ من الدعمِ والمساندة.
كذلك نتطلعُ إلى ضغط ٍعربيٍ إسلاميٍ لدى الدولِ المؤثرةِ على إسرائيل، والمحافلِ الدولية لوقفِ تدميرِ إسرائيل لتراثِ وآثارِ الإنسانيةِ جمعاء، وعمرُها آلاف السنين، والمعرضة لخطرٍ محدقٍ لمحوِها وطمسِها، إذا لم نتحرك جميعاً لحمايتِها والحفاظِ عليها.
السيد الرئيس،
ختاماً، أناشدُكم اليوم أن تقفوا إلى جانبِنا ليعودَ لبنان وطن التآخي والعيشِ المشترك والسلام، والوجهةُ السياحيةُ والثقافيةُ لكلِ العربِ والمسلمين. فنحنُ نتطلعُ ونحتاجُ إلى دعمٍ عربي – إسلامي، سياسيٍ ومعنويٍ وإنسانيٍ في هذه اللحظاتِ الحرجةِ التي نمرُّ بها. ونحن نتأملُ بأن تقفوا إلى جانبِنا بكلِ ما لديكم من قدراتٍ، وعلاقاتٍ، وطاقاتٍ لوقفِ الحربِ والعيشِ بسلامٍ والنهوضِ مجدداً. فقدرُنا في هذا الوطن الصغيرِ بجغرافيتِه والكبيرِ بإنتشارِه وحضارتِه أن نولدَ مجدداً من الرماد، بدعمِكم، مثلَ طائرِ الفينيق.
فكلُ التمنيات بأن نصلَ إلى مخرجاتٍ على قدرِ عزائمِكم وطموحاتِ لبنان واللبنانيين، وشكراً”.