كتب شربل صفير في”نداء الوطن”:
في عالم الحروب الحديثة، تتطوّر الأسلحة وتتغيّر الأدوات، إلا أن الطائرات من دون طيار، أو ما يعرف “بالدرونز”، فرضت نفسها كإحدى أكثر الوسائل العسكرية هيمنة وإثارة للرعب. في غزة ولبنان، تجاوزت هذه الطائرات مجرّد كونها أدوات لتنفيذ الضربات الدقيقة، لتصبح كالحشرات المزعجة تطارد المدنيين بصوتها المستمر والمقلق، لتعكس حالة دائمة من الخوف والترقّب، وباتت رمزاً للتهديد اليومي الذي لا يرحم..
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، العميد خالد حماده، لـ”نداء الوطن”، أن هذه الطائرات لا تقتصر مهامها على التصوير والتعقّب للأهداف، بل تشمل أيضاً عمليات استهداف مباشرة. ويضيف أن الطائرات الصغيرة من دون طيار تمتاز بقدرتها على إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد للأنفاق، فضلاً عن تكيّفها مع المساحات الضيقة، كما يمكنها أن تنشئ شبكات اتصالات تحت الأرض، ما يمنحها قدرة مذهلة على استهداف مواقع استراتيجية بدقة.
لكن هذا التفوق التكنولوجي على مستوى المعركة العسكرية لا يأتي من دون ثمن. فبينما تهيمن هذه الطائرات على الأجواء وتؤثر بشكل جوهري في سير المعارك، فإنها أيضاً تترك آثاراً مدمّرة على المدنيين في المناطق التي تشهد الصراع. فصوت الطائرات المسيّرة، الذي يشبه رفرفة حشرة غير مرئية، يسبّب اضطرابات نفسيّة لدى السكان، الذين يعشيون تحت تهديد دائم، حيث لا تكاد تمر لحظة من دون أن يشعروا بوجود الطائرات المسيّرة في سمائهم. ورغم أن الهدف الأساس لاستخدامها هو استهداف المجموعات المسلّحة، إلا أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر والأكثر قسوة، لتتحول هذه الطائرات إلى عدو خفي، لا يرحم ولا يميّز بين مقاتل ومدني..