كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
حين قرر “حزب الله”، ومن خلفه إيران، في الثامن من تشرين الأول 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية “وحدة الساحات” التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.
اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية “خطأ استراتيجياً”.
ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند “حماس” و”حزب الله” بعد “طوفان الأقصى”، عن وجوب “فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة”، منتقداً استخدام إيران للبنان في “ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني”.
أما حركة “أمل”، الحليف الأقرب لـ”حزب الله”، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية “وحدة الساحات” لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب “دفاعاً عن لبنان”.
ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر “الثنائي الشيعي” على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.
وكان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حليف “حزب الله” منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام “حزب الله” باستراتيجية “وحدة الساحات” بـ”الخطأ الاستراتيجي”، معتبراً أنها “تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان”.
ويشير عضو تكتل “لبنان القوي” جيمي جبور إلى أنه “تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة”، لافتاً في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن كل ما حصل بات يُحتم “إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك”، مضيفاً: “آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان”.
وترى عضو تكتل “الجمهورية القوية” غادة أيوب أن “إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني”، مشيرة إلى أنه “غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 تشرين الأول لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها”.
وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أن “هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة”، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح “محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً” كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط