حين سُمّي الرئيس نواف سلام لتأليف الحكومة، في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، نجحت المعارضة، وإن لم تعد معارضة بالمعنى الحرفي للكلمة، في تحقيق تقاطع “نادر”، وربما “غير مسبوق”، بين مكوّناتها، على اختلاف انتماءاتهم الحزبيّة والتغييريّة، جعلها تسرع، أو ربما تتسرّع، بإعلان تحقيق “انتصار” على الخصوم، وتحديدًا على “حزب الله”، الذي اعتبرت أنّ عليه استيعاب المعادلات الجديدة التي طرأت على المشهد.
Advertisement
]]>
لعلّ المعارضة التي اضطرت إلى التخلّي عن مرشحَيْها المفترضيْن، فؤاد مخزومي وإبراهيم منيمنة، من أجل تحقيق هذا التقاطع، لم تكن تتوقع أن تشهد على “تشتّت جديد” في صفوفها، حتى قبل أن تكتمل فصول “الانتصار”، إن صحّ التعبير، أي قبل أن تبصر الحكومة النور، إلا أنّ هذا بالتحديد ما تعكسه مجريات الأيام الأخيرة، التي تعطي انطباعًا بـ”تضعضع” في صفوفها، مقابل “ارتياح شبه تام” لدى فريق “الثنائي” لمسار التأليف.
وقد يكون السجال العلنيّ، ولو الضمنيّ، بين النائبين ميشال دويهي ومارك ضو، وهما من “أقلية تغييرية” بقيت في حلفٍ واحد، خير دليلٍ على “تشتّت” المعارضة، فالأول سارع إلى “حجب الثقة” عن الحكومة، إذا لم يصحّح رئيسها المسار، ليردّ عليه الثاني من دون تسميته، داعيًا لعدم “تنغيص فرحة الانتصار بهواجس من مرحلة سابقة”، فهل فقدت المعارضة سريعًا “الزخم” الذي وصلت إليه في استشارات التكليف، والذي يبدو أنه لم يصمد طويلاً؟!
وجهتا نظر “تتنازعان”
يتحدّث العارفون عن وجهتي نظر “تتنازعان” داخل قوى المعارضة من مسار تأليف الحكومة، إن صحّ وضعها في مكانةٍ واحدة، تعبّر الأولى عن “خيبة أمل” من أداء الرئيس المكلّف، الذي لم يكن منسجمًا مع خطاب القسم الذي جاء لتنفيذه، وتتحدث عن “معايير مزدوجة” اعتمدها في التعاطي مع الأفرقاء، حيث أعطى “الثنائي” الذي لم يسمّه الحق باختيار الحقائب وتسمية الوزراء، وحجب هذا الحق عن الآخرين، الذين دعموه في المقام الأول.
انطلاقًا من ذلك، يقول أصحاب هذا الرأي إنّ الرئيس المكلّف لم يكن على قدر التطلّعات، فهو تعامل مع “الثنائي” كما لم يفعل مع أيّ طرف آخر، وسلّم بشروطه، بما في ذلك الحصول على حقيبة المال، رغم كلّ المتغيّرات التي طرأت على المشهد، وهو ما جعل الكثيرين في المعارضة “يتوجّسون” من الأداء، خصوصًا على مستوى تحديد سياسة الحكومة وبيانها الوزاري، ولا سيما إذا صحّت قاعدة أنّ “المكتوب يُقرَأ من عنوانه”.
في المقابل، يتحدّث آخرون في المعارضة عن “تحامل” على الرئيس المكلف، وعن “استخفاف” بالمكاسب التي تحقّقت في هذه الحكومة، ومن بينها حجب الثلث المعطّل عن الحكومة، وكذلك مبدأ الاحتكار للحصّة الشيعية، مشيرين إلى أنّ الأطراف يفترض أن تتحلى بشيء من “الواقعية والبراغماتية” في مقاربتها، إذ من غير المنطقيّ أن يعتقد أحد أنّ الرئيس المكلّف يمتلك عصا سحرية للتغيير بمجرّد تسميته، أو أنّ بمقدوره فعلاً “عزل” الثنائي، مع كلّ ما يمتلك من حيثيّة.
المعارضة.. معارضات!
عمومًا، وبمعزل عن “الكباش” الحاصل بين وجهتي النظر، يؤكد العارفون أنّ الاعتقاد بأنّ المعارضة كتلة موحّدة، بمجرد تقاطع مكوّناتها على تسمية الرئيس نواف سلام، يبدو وهمًا وسرابًا، علمًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ المعارضة احتاجت إلى قوى أخرى لإيصال سلام إلى السراي الحكومي، ومنها “التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، اللذين كان بإمكانها قلب النتيجة رأسًا على عقب، وهو كان احتمالاً واردًا.
وبمعزل عن موقف “التيار” و”الاشتراكي”، يقول العارفون إنّ ما ثبُت على مرّ الاستحقاقات السابقة، أنّ المعارضة هي في واقع الأمر عبارة عن “معارضات”، إذ من غير الممكن مثلاً وضع أحزاب مثل “القوات”، وحتى “الكتائب”، في سلّة واحدة مع كتلٍ أخرى، بما في ذلك “التغييريين”، وإن كان هؤلاء منقسمين على نفسهم أيضًا، علمًا أنّ بعض هؤلاء يعتبرون “القوات” جزءًا من تركيبة “كلن يعني كلن”، بدليل ما تطلبه من “حصص”.
ولعلّ ما يمكن استنتاجه من “الكباش” القائم أيضًا، أنّ “رفاق الصف الواحد” المفترضين لا يبدون على موقف واحد، فالسجال غير المباشر بين النائبين دويهي وضو بدا فاقعًا إلى حدّ بعيد، لكن ثمّة تباينات أخرى خلفه، حتى بين أحزاب المعارضة الرئيسية، كـ”القوات” و”الكتائب”، وإن تقاطعا على موقف علنيّ شبه موحّد، لا يحجب التباين في المقاربات، وقد ظهر جليًا وتدريجيًا منذ الاستحقاق الرئاسي وحتى اليوم.
ليست حكومة سلام من “شتّتت” المعارضة قبل أن تبصر النور، وفقًا للعارفين، بل إنّ العكس هو الصحيح، فالرجل ربما استطاع أن “يوحّد” المعارضات على اسمه، وربما على هدف ضرب “حزب الله”، لكنّه اصطدم سريعًا بالشروط والشروط المضادة، لدى من سمّوه ودعموه، قبل غيرهم، ولو أنّ هناك من لا يزال يضع كلّ هذه الشروط في خانة “تحسين الأوراق التفاوضية”، ليس إلا، بانتظار ولادة الحكومة…