خطاب قاسم: مشروع سياسي للمرحلة المقبلة

24 فبراير 2025
خطاب قاسم: مشروع سياسي للمرحلة المقبلة


في خطابٍ مختلف، ظهر فيه، الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، بشخصية ثابتة وقوية وكخطيب بارع، بدأ قاسم بسردية سياسية تشكل المشروع السياسي الكامل للحزب في المرحلة المقبلة، معتمدًا خطابا يميل إلى تعزيز الهيبة السياسية والعسكرية للحزب، ورسم ملامح ما يمكن اعتباره بـ”الولادة الثانية” للحزب مستندا الى الحشد الكبير الذي رافق الخطاب وتشييع الامين العام السابق السيد حسن نصرالله. بدا قاسم واثقًا خلال الخطاب، مستخدمًا لغةً تعكس محاولةً لربط الحزب بشرعيةٍ شعبيةٍ موسَّعة، فالحشد الكبير الذي قد يكون الاكبر في تاريخ لبنان من دون منازع يعني ان هناك استحالة في تهميش الدور المركزي للحزب.

ركَّز الخطاب على فكرة “استمرار المقاومة” كأحد الركائز الثابتة في أيديولوجيا الحزب،  ما يوحي أن الحزب تمكَّن من “ترميم جزءٍ من قدراته” بعد التحديات الأخيرة، لكنه خصَّص مساحةً أكبر للحديث عن “دور الدولة” في أي عملية تحرير مستقبلية. هذا التحوُّل النسبي في الخطاب قد يُقرأ كمحاولةٍ لتحويل الصراع من حقل المواجهة العسكرية إلى الساحة السياسية، ربما استجابةً للضغوط الخارجية أو كجزءٍ من إستراتيجيةٍ طويلة المدى لدمج الحزب في مؤسسات الدولة، مع الحفاظ على ترسانته العسكرية كأداة ضغطٍ خارج الإطار الرسمي.

من جهةٍ أخرى، حمَّل قاسم الولايات المتحدة مسؤولية “التدخل في الشؤون اللبنانية”، واشار الى ان مواجهة النفوذ الأمريكي كأحد أولويات الحزب، في خطابٍ يتقاطع مع السردية التقليدية التي تصف الحزب كـ”قوة مقاومة” ضد النفوذ الغربي في لبنان. لكن اللافت في الخطاب كان التركيز على أولوية إعادة الإعمار والاقتصاد، حيث ربط قاسم بين المشروع السياسي للحزب وخطاب إصلاحيٍ جديد، حاول من خلاله تقديم الحزب كفاعلٍ قادر على معالجة الأزمات الداخلية، لا سيما في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان. هذه النقطة قد تُفسَّر كمحاولةٍ لتوسيع القاعدة الجماهيرية، عبر استمالة شرائحَ تعاني من تردي الأوضاع المعيشية، وسيطرة الملف الخدماتي على الأجندة الأيديولوجية.

يبدو الخطاب محاولةً للموازنة بين تعزيز الرواية التاريخية للحزب كـ”مقاومة مسلحة”، وبين الانخراط في معالجة إشكاليات الدولة من خلال خطابٍ إصلاحيٍ يلامس هموم اللبنانيين اليومية. لكن هذه الرواية تواجه تحدياتٍ داخليةً وخارجية؛ فدولٌ عديدة، بينها الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، تُصنِّف حزب الله كمنظمة إرهابية، وتعتبر أن أنشطته، سواء العسكرية أو السياسية، تُعيق الاستقرار في لبنان. كما أن تأكيد الحزب انه الممثل الاكبر للطائفة الشيعية يتعارض مع سياسة واشنطن، بينما يُنظر إلى خطابه الإصلاحي بشكوكٍ من قبل خصومه، الذين يرون فيه أداةً لتكريز الهيمنة تحت غطاءٍ خدماتي.

يمكن القول إن خطاب قاسم سعى إلى تقديم الحزب ككيانٍ يجمع بين “الشرعية الثورية” و”الشرعية السياسية”، لكن هذا الجمع يبقى هشًّا في ظل انقسام المشهد اللبناني، والرفض الدولي الواسع لدمج الحزب في العملية السياسية بشكل سلس.