هل حكومة سلام قادرة على إحداث تغيير جذري؟

19 مارس 2025
هل حكومة سلام قادرة على إحداث تغيير جذري؟


ذكر موقع “Middle East Eye” البريطاني أنه “في الشهر الماضي، نالت حكومة رئيس الوزراء نواف سلام ثقة مجلس النواب بسهولة، بعد حصولها على دعم 95 نائباً من أصل 128، لكن هذه الحكومة تواجه الآن تحديات متعددة الجوانب، تتعلق بعدة عوامل حاسمة. وفي الواقع، من المشروع التساؤل عمّا إذا كان شخص مثل سلام، الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، الذي غاب عن البلاد لعقدين من الزمن، على قدر المسؤولية، لا سيما وأن القوى السياسية الرئيسية المسؤولة عن انهيار لبنان ممثلة تمثيلاً جيداً في حكومته الجديدة”.

وبحسب الموقع، “مرة أخرى، تدخلت السعودية وفرنسا والولايات المتحدة بقوة في العملية، التي أنهت عامين من الشلل المؤسسي والسياسي في لبنان. في الواقع، هذا ليس أمرًا مُشجعًا، ولكن على الأقل في الوقت الحالي، أُعيد تأسيس مؤسسات لبنان مع رئيس وحكومة جديدين. وبعد الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل في الأشهر الأخيرة، يُعتبر حزب الله ضعيفًا للغاية، وبالتالي أقل قدرة على التأثير في الأجندة السياسية الوطنية كما كان عليه الحال خلال العقدين الماضيين. لكن لا بد من الحذر هنا، خاصة بعد التعبئة الشعبية الهائلة التي أظهرها حزب الله في جنازة الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله التي حضرها حشد غفير. ربما يكون الحزب قد ضعف عسكريًا، واختفت قيادته، لكن من الناحية السياسية، يبدو أنه لا يزال حيًا ونابضًا بالحياة”. 

تجاوز الانقسامات

وبحسب الموقع، “قبل كل شيء، يحتاج لبنان إلى رؤية سياسية مشتركة لمستقبله. ولتحقيق ذلك، يجب على مؤسسته السياسية تجاوز انقساماتها الطائفية المتجذرة. يتعيّن على حكومة سلام، كسابقاتها، أن تجتاز الانقسامات العميقة بين الفصائل والأقليات الطائفية الأخرى. ولكن للأسف، يُشير تاريخ البلاد المأسوي إلى أن هذا الهدف بعيد المنال، نظرًا لتضارب المصالح الذي لا يُمكن تجاهله، إلى جانب نفوذ القوى العالمية والإقليمية التي لا تكفّ عن التدخل في السياسة اللبنانية. وتُعدّ إدارة الأزمة الاقتصادية في لبنان أولويةً عاجلة. ووفقًا للبنك الدولي، يُعاني لبنان من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث. فقد انهارت عملته، كما ويحتاج قطاعه المصرفي إلى إصلاحات جذرية”.

وتابع الموقع، “طريق التعافي معروف: إعادة هيكلة المصارف، وتوحيد سعر الصرف، والحصول على دعم من صندوق النقد الدولي. لكن عمليات الإنقاذ التي يُقدمها الصندوق تتطلب إصلاحاتٍ مثل إجراءات التقشف وقوانين ضبط رأس المال، مما قد يُثير ردود فعلٍ سلبية من شعبٍ مُثقلٍ أصلًا بالضائقة المالية. ووفقًا لسياسات صندوق النقد الدولي في العقود الماضية، ينبغي رفع الدعم وإلغاء شبكات الأمان الاجتماعي تدريجيًا، ولكن ينبغي أن تقترن هذه السياسات بمساعدات مُستهدفة للتخفيف من حدة الاضطرابات المصاحبة لها. فهل ستتمكن هذه الحكومة من تنفيذ مثل هذا البرنامج، ومن أين ستأتي الأموال اللازمة لتجنب الاضطرابات؟ وهل سيتمكن رجلٌ هادئٌ مثل سلام من صدِّ المتلاعبين السياسيين اللبنانيين؟ أم أن شخصياتٍ أخرى أكثر حزمًا ستكون أنسب لهذا الدور؟”

تقويض الثقة

وبحسب الموقع، “تُثير هذه الأسئلة قضيتين حاسمتين تتعلقان بمكافحة الفساد وإصلاحات الحوكمة. حتى الآن، قوّض الفساد المستشري في لبنان ثقةَ أي جهد إصلاحي وفعاليته. ولن تتحقق أي إصلاحات مؤثرة ودائمة دون استقلال القضاء، وتدقيق المؤسسات العامة، واستعادة الأصول المنهوبة. هذه الأهداف، على الرغم من أهميتها، تواجه مقاومة شديدة من النخب الكليبتوقراطية المترسخة، والتي، للأسف، تحظى بتمثيل جيد للغاية حتى في هذه الحكومة الجديدة. ويواجه سلام أيضًا غضبًا شعبيًا عميقًا، فعليه أن يُعالج المطالبات الواسعة بالمساءلة، مع تجنّب الاضطرابات المدنية التي تتفاقم بسبب البطالة والفقر، حيث يعيش 80% من السكان تحت خط الفقر. ويزداد الأمر تعقيدًا بسبب الوضع الأمني الهش، بما في ذلك تقويض إسرائيل لوقف إطلاق النار مع حزب الله، والوضع غير المستقر للغاية في سوريا، والصراع الطائفي الداخلي، ناهيك عن الخطط الأميركية الإسرائيلية للتطهير العرقي المحتمل في غزة والضفة الغربية، والتي قد تُؤجج الغضب والاستياء”. 

وتابع الموقع، “يُعدّ الدعم الدولي أمرًا حيويًا لنهضة لبنان، إلى جانب الضغط القوي لفرض إصلاحات طال انتظارها. لكن الضغط الدولي غالبًا ما لا يُجدي نفعًا، حيث أن النخب السياسية اللبنانية تتمتع بقدرة فائقة على خداع وإغضاب جميع المحاورين الخارجيين. حتى تشكيل هذه الحكومة الأخيرة لم يتخطَّ هذه الخطوة. فبعد أسابيع من إعلان الولايات المتحدة في 7 شباط أن وجود حزب الله في الحكومة الجديدة خط أحمر بالنسبة لواشنطن، تمت الموافقة على الحكومة بوزراء من حزب الله. وأصبحت المساعدات الغربية والخليجية للبنان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإصلاحات، كما تُعقّد التوترات الجيوسياسية هذه العملية”.

وختم الموقع، “تشير السوابق التاريخية إلى أن تحقيق اختراق أمرٌ غير مرجح. لطالما أعطت النخب السياسية اللبنانية الأولوية لمصلحتها الذاتية على الإصلاح، وقد تفتقر الجهات الخارجية الفاعلة إلى النفوذ أو الإرادة اللازمة لفرض التغيير. إن الأشهر المقبلة سوف تحدد ما إذا كان سلام قادراً على إحداث تغيير جذري، أو ما إذا كانت البلاد متجهة إلى مزيد من الفوضى”.