أقوى من كل محنة.. هذه قصة أمهات شهداء لبنان

21 مارس 2025
أقوى من كل محنة.. هذه قصة أمهات شهداء لبنان

نشر موقع “الجزيرة نت” تقريراً تحت عنوان “أمهات الشهداء بلبنان.. صمود وفخر يفوق الألم في عيد الأم”، وجاء فيه:

 

 

هذا العام، لم يكن عيد الأم مجرد يوم عابر، بل لوحة نابضة بالفخر والاشتياق، رسمتها أمهات احتضن صور أبنائهن الشهداء كما لو أنهن يضمدن جراح الفقد بين ضلوعهن، بعيون تتلألأ بالكبرياء وقلوب تنبض بالحزن والاعتزاز، وقفن شامخات يروين قصة أمهات لم يهزمهن غياب أحبائهن.

 

 
وسط قسوة الفقد وثقل الأيام، لم ينكسرن بل تحدين الألم بثباتهن المعهود، وفي هذا العيد لم يكن البكاء لغة، بل كان عنوانا لصبر لا يُقهر، صمود لا ينكسر، لنساء أقوى من كل محنة، وأمهات أكبر من كل وجع.

في عيدهن، لا يتحدثن عن الألم بل عن الكبرياء الذي منحنهن إياه أبناؤهن.. هُنّ أمهات لبنانيات قدمن أغلى ما لديهن في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وفقدن فلذات أكبادهن، لكن قلوبهن بقيت صامدة، يروين للجزيرة نت قصصهن ليقلن: “أبناؤنا قدموا لنا أسمى هدية هذا العام.. أن نصبح أمهات الشهداء”.

“وداع لا ينسى”

 

تقول والدة الشهيد زياد قشمر -الذي استشهد في 20 آب 2024- وعيناها تلمعان بمزيج من الفخر والحنين: “عندما تلقيت الخبر، تفاجأت، لأن زياد عندما يذهب إلى العمل أحيانا أوصله أنا وأحيانا والده، لكن في يوم استشهاده كنا معا، أنا ووالده، وعندما نزل من السيارة، قلت لوالده: انتظر، دعني أره مرة أخرى ربما لن يعود، ذهب الساعة التاسعة صباحا، وجاء خبر استشهاده الساعة التاسعة مساء”.

تتوقف للحظة، وكأنها تستعيد المشهد بكل تفاصيله، ثم تتابع للجزيرة نت قائلة: “أنا امرأة صبورة جداً، ودّعت ابني إلى مثواه الأخير دون أن يكون له جثمان أقبله، ودّعته بقوة وثبات وصمود، لكن اليوم في عيد الأم، الأمر مختلف كأنني أبدأ العيد بذكرياتي عنه، ماذا كان يحضر لي؟ كيف كان يحتفل؟ الذكريات تعود وكأنها شريط يُعاد أمامي”.

 

 

عندما تتحدث عنه يتغير وجهها وكأنها ترى صورته أمامها وتقول: “زياد لم يكن مجرد ابن، كان حياة البيت، البيت الآن فارغ بدونه، كان مختلفًا عن إخوته، كثير المزاح والضحك، كان الحركة في كل مكان، قلبه كان قويا، لم يكن يخاف شيئاً، كان مقاوماً، تأثر كثيراً بغزة، لأننا ربّيناهم على الإحساس بالآخرين، أن يكونوا مع كل مظلوم خاصة قضية فلسطين”.

 

فخر وحزن

 

تجلس سعاد صبرا أم الشهيد حسن صبرا بثبات، ملامح وجهها تعكس قوة، وعيونها التي تفيض بالحزن لا تخلو من الإرادة الصلبة، تبدأ حديثها للجزيرة نت بصوت هادئ وتقول: “حسن كان ابني الأكبر، وكان أكثر من مجرد ابن بالنسبة لي، كان صديقي وسندي، وكان قلبا طيبا لا يعرف الأنانية، يتحسس ألم الآخرين، وكان دائما يسعى لمساعدة من يحتاج لا يمكنني وصفه بكلمات، لأن كل كلمة تخون ما كان عليه”.

تتوقف لحظة، ثم تتابع بنبرة قوية “في كل عيد، كنت أتوقع أن يأتيني هدية من أولادي، لكن بالنسبة لي، كانت حياتهم بجانبي هي أعظم هدية، كانوا جميعا حولي، يفرحون، يضحكون، ونحن نتشارك اللحظات السعيدة معا، أما حسن، فكان دائما يختار لي هدية خاصة، وردة، أو أي شيء يعكس حبه، لكن الآن، حسن ليس هنا”.

وتظهر على وجه السيدة عزيمة أكبر، وتقول: “لكنني أؤمن أنه في مكان أفضل الآن، ليس في الدنيا، بل في الجنة، حيث لا ألم ولا هم، هو الآن في مكان مميز، وأنا فخورة بذلك، فقدانه مؤلم، نعم، لكنه زاده مكانا عاليا في الجنة”.

تلتقط الحاجة صبرا أنفاسها، ثم ترفع رأسها بثقة لتقول: “أنا الآن هنا، أعيش من أجل من بقي، وأدافع عن الطريق الذي سار عليه حسن، هذا الطريق هو طريق العزة والكرامة، أقول لكل أم شهيد: نحن ثابتون على العهد، ولن نتراجع. قد رحل أبناؤنا عن هذه الدنيا، لكنهم باقون في قلوبنا”. (الجزيرة نت)