زيارة أورتاغوس الثانية.. تغيير في الشكل فهل ينعكس على المضمون؟!

7 أبريل 2025
زيارة أورتاغوس الثانية.. تغيير في الشكل فهل ينعكس على المضمون؟!


لم تفعل زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس الثانية إلى لبنان ما فعلته زيارتها الأولى التي أثارت فيها الجدل بتصريحاتها “الصادمة” من قصر بعبدا، حين “شكرت” إسرائيل على ما وصفته بـ”هزيمة حزب الله”، وأكدت أنّ “عهد ترهيب الحزب في لبنان والعمل انتهى”، وأنّه لا يمكن أن يكون جزءًا من الحكومة الجديدة، وهو ما تطلّب حينها توضيحًا رسميًا من المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية.

 
في هذه المرة، اختارت أورتاغوس “الصمت” في المقرّات الرسمية، ربما لتفادي “إشكالية” الزيارة السابقة، التي أثارت عاصفة من ردود الفعل، مكتفية بتصريحات إعلامية بدت “دبلوماسية” إلى حد بعيد، بعد “ماراثون” من اللقاءات، جمعتها مع معظم القوى السياسية، ومع عدد غير قليل من الوزراء، مستعيدة بذلك “تجربة” سلفها آموس هوكستين، الذي عرف كيف ينسج علاقات مع مختلف الأفرقاء، ما مكّنه من تحقيق الإنجازات.
 
ومن بعبدا إلى السراي وعين التينة، مرورًا بعوكر، تقاطعت الأوساط السياسية على وصف اللقاءات التي عقدتها المبعوثة الأميركية بـ”الإيجابية”، خلافًا للأجواء السلبيّة التي سبقت الزيارة، وإن سجّل البعض “تحفّظًا” من حيث “الشكل” لجهة “استدعاء” الوزراء إلى مقرّ السفارة الأميركية، فهل يمكن القول إنّ التغيير في الشكل انعكس على المضمون، وما هي الرسائل التي حملتها الزيارة بين طيّاتها؟!
 
“تفهّم” للخصوصية اللبنانية؟
 
من اطّلع على الأجواء السياسية عشيّة زيارة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، توقع أن تكون “السلبيّة” عنوانًا لها، إذ كانت كلّ التقديرات تشير إلى أنّ الزيارة ستكون “عاصفة”، بل إنّ بعض التسريبات الإعلامية ذهبت لحدّ الإيحاء بأنّ المبعوثة الأميركية ستأتي لتهديد لبنان، بعد مؤشرات على رفضه فكرة التفاوض المباشر مع إسرائيل، وبأنها ستقول بصراحة للمسؤولين اللبنانيين، إما تقبلون باللجان المدنية بالحسنى، أو تتحمّلون جولة ثانية من الحرب الإسرائيلية.
 
تطلّب ذلك الكثير من الاجتماعات بين الرؤساء الثلاثة، من أجل تنسيق موقف “موحّد” يردّ من خلاله لبنان الرسمي على المسؤولة الأميركية، بل إنّ بعض المعلومات التي سبقت الزيارة أيضًا، أشارت إلى أنّ هناك من طلب “وساطة” فرنسا، في محاولة لإقناع الأميركيين بالخصوصية اللبنانية، وبالتالي لمنحهم بالحدّ الأدنى “بعض الوقت”، من أجل تحقيق الشروط الأميركية، وفي مقدّمها نزع سلاح “حزب الله”، الذي لا يمكن أن يتمّ بين ليلة وضحاها.
 
لكن، وبعكس كلّ ما أثير في الأيام الماضية، مرّت زيارة المبعوثة الأميركية بهدوء وسلاسة، بل اتسمت بـ”الدبلوماسية” التي غابت عن تصريحاتها في الزيارة الأولى، ما عكس بالنسبة لكثيرين، تفهّمًا للخصوصية اللبنانية، وهو ما تجلّى في اللقاءات المنوّعة التي عقدتها، وعدم حصر البحث بملف واحد هو نزع السلاح فقط لا غير، أو بالحدّ الأدنى، “إيجابية مؤقتة”، بمعنى إعطاء المسؤولين “مهلة حثّ” لإثبات النوايا، بحيث يُبنى على الشيء مقتضاه.
 
ماذا عن المضمون؟
 
عكست التصريحات القليلة للمسؤولة الأميركية هذا المعطى، ففي حديثها إلى قناة “LBCI” مثلاً، تُقرَأ الكثير من الإيجابيّات بين السطور، فهي تحدّثت عن نزع سلاح “حزب الله” وغيره، بوصفه مطلبًا أساسيًا للولايات المتحدة، لكنها لم تتحدث عن “جدول زمني رسمي” لذلك، وهي أكدت على أهمية التفاوض وحلّ المشاكل الحدودية، لكنّها نفت أن يكون موضوع التطبيع قد أثير خلال اللقاءات، بعكس كلّ ما أشيع عشية الزيارة، وأثار قلق وربما هواجس الكثيرين.
 
ولعلّ ما لفت الانتباه في تصريحات المسؤولة الأميركية أيضًا، كما لقاءاتها، أنّها أولت الموضوع الاقتصادي والمالي أهمّية جوهرية، جاءت لتوازي ربما الموضوع الأمني، وهنا يتوقف المتابعون عند إشادة أورتاغوس برئيسي الجمهورية والحكومة، كما بالوزراء في الحكومة، حتى إنّها قالت إنّها متحمّسة ومتفائلة، متحدّثة عن وجود مجموعة من الأشخاص الوطنيين الذين يضغطون لتنفيذ الإصلاحات الاقتصاديةالمطلوبة.
 
وبالموازاة، يبدو أنّ المسؤولة الأميركية حرصت على أن تترك انطباعًا مختلفًا عن ذلك الذي تركته زيارته الأولى، التي أوحت فيها وكأنّها تضع “الشروط” على ملف تشكيل الحكومة، فقالت إنّ لبنان دولة مستقلة ديمقراطية ذات سيادة، وبالتالي فهي لا تأتي إلى لبنان لتفرض الشروط، بل “لتشجّع اللبنانيين على الالتزام بشروط ومعايير معيّنة”، في حال أرادوا استمرار الشراكة مع الولايات المتحدة، وهنا بيت القصيد.
 
في الشكل، لا شكّ أنّ زيارة مورغان أورتاغوس الثانية إلى بيروت “تتفوّق” على زيارتها الأولى، فهي كانت عمومًا “إيجابية”، ولم تثِر الجدل، وفي الشكل أيضًا، ناقضت زيارة أورتاغوس الأجواء التي سبقتها، فلم تحمل تهديدات، لا مباشرة ولا مبطنة. إلا أنّ النتائج الحقيقية والفعلية لهذه الزيارة تبقى مؤجّلة برأي كثيرين، إذ إنّ ما لم يُكشَف عن الخلوات التي عقدت على خطها، يبقى أكثر بكثير ممّا كُشِف، أقلّه حتى الآن..