لنعمل من أجل دولة قوية

11 أبريل 2025
لنعمل من أجل دولة قوية

 

ويضم المعرض صورا عن الحرب الأهلية من مجموعة “النهار” الإعلامية و”لوريان لوجور” والمصور دون ماكولن ودوريات من أرشيف المكتبة الوطنية لعدد من المصورين.

سلامة

وقبل الافتتاح، ألقى سلامة كلمة قال فيها: “خمسون عاما بدأت، حرب هي حرب من الحروب . لقد تقاتلنا مع أنفسنا، وتقاتلنا مع غيرنا، وتقاتل غيرنا عندنا، وتقاتل غيرنا مع غيرنا عندنا وعلينا. إنها حرب في حروب، لكل واحد منا زاويته المفضلة للنظر اليها، ولكن علينا أن ننظر فيها وإليها لأنه من الصحيح أن لكل منا الحق في النسيان وبفتح صفحة جديدة وبالنظر للمستقبل، ولكن حق النسيان يقابله واجب التذكر. واجب التذكر رأفة بالضحايا التي سقطت، رأفة بعائلات من سقطوا أو قتلوا أو فقدوا خلال هذه الحرب”.

أضاف: “نتذكر أيضا لكي نفكر بالأسباب التي أدت بنا إليها، فنحاول بعد اليوم أن نبني مناعة. ولذلك، أتشرف اليوم بدعوة دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نواف سلام لأن يلقي كلمة عن هذا التذكر وعن ضرورة ذلك أمامكم جميعا. وأود أن أقول قبل أن أنهي هذه الكلمة الترحيبية بكم جميعا، إن هناك مناسبات أخرى تجري في البلاد لهذا التذكر، فوزارة الثقافة تؤيد هذه المناسبات وتعتبرها ظاهرة صحية وضرورية وحيوية، وهي ستكرم رهطا من الصحافيين الذين ستتمكنون من مشاهدة أعمالهم، يجمعهم شيء واحد أنهم عاشوا خمسين في خمسين، بمعنى أنهم يعملون منذ أكثر من خمسين عاما على تصوير ما حصل، هذا لا يعني أنهم وحدهم الجديرون بهذا التكريم، فنحن نعترف ونقر ونحترم أعمال المصورين الآخرين جميعا، ونحترم نقابتهم، وهذه الوزارة أبوابها مفتوحة أمامهم دوما”.

سلام

 

 
من جهته، ألقى رئيس الحكومة كلمة قال فيها: “نقف اليوم، في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب في لبنان، لا لنفتح جراحا لم تندمل، بل لنسترجع دروسا يجب ألا تنسى، ولنحيي في ذاكرتنا الجماعية ما مر به وطننا من ألم ودمار، عل الذكرى تكون سدا منيعا يحول دون تكرار المأساة التي عرفتها بلادنا. منذ خمسين سنة، انطلقت شرارة حرب دموية مزقت لبنان بكل مناطقه وطوائفه وفئاته الاجتماعية على مدى 15 عاما. سقط عشرات الآلاف من الضحايا، وتشرد مئات الآلاف، وضاع من ضاع من الأهل والأحبة بين مفقودين ومخطوفين لا يزال مصيرهم مجهولا”.

أضاف: “نستذكر اليوم عنف الحرب، والخطوط الحمراء والخضراء، بل السوداء، التي قطعت جغرافيا وطننا، وقسمت مدننا وبلداتنا، نستذكر الرعب الذي عايشه كل لبناني في بيته، أو في مركز عمله، أو عند محاولته الانتقال من منطقة إلى أخرى. نستذكر عاصمتنا بيروت، وكيف تحولت من مركز للتلاقي والحوار والتفاعل الى ساحة للقتال والدمار والفلتان المريب. نستذكر أيضا الصمت الثقيل الذي تلى الحرب، لا سيما المصارحة التي لم تكتمل، والعدالة التي لم تتحقق. ويكاد كل بيت في لبنان يملك قصة معلقة مع تلك الحرب: قتيل لم يدفن، مخطوف لم يعد، أو خوف متجذر في النفوس من عودة تلك الأيام السوداء. كلها حكايات ما زالت ماثلة أمامنا، وهي تستدعي منا العِبرة وتوجب علينا التبصر، لكننا لا نقف اليوم فقط لنتذكر الماضي، بل لننظر أيضا إلى المستقبل. خمسون عاما مرت، ولبنان ما زال يصارع من اجل النهوض. شبابنا الذين لم يعايشوا الحرب، يعيشون اليوم في ظل تبعاتها، ويدفعون ثمن نظام متكلس، ومصالح ضيقة ما زالت تحكم الوطن، تقيد طاقاتهم وتكبت طموحاتهم”.

وتابع: “لقد بات واضحا من مراجعة نتائج حروبنا على مدى الخمسين الماضية أن لا أحد يربح فيها. فكل الأطراف كانت في المحصلة خاسرة، وكل الانتصارات فيها تبين أنها زائفة. كيف لا وقد أدت الحروب المتعاقبة منذ 1975 الى تهديد امن البلاد، وزعزعة استقرارها، وانتهاك سيادتها، واحتلال أجزاء منها، ناهيكم عن قتل وتشريد وتهجير وافقار مئات الآلاف من أهلها. لقد آن الأوان لنواجه كل خطاب يفرقنا ويفرزنا طوائف ومذاهب وجماعات وأحزاب متناحرة، ولنبني خطابا يوحد ويداوي ويؤسس لدولة المواطنة الجامعة. ولعل الدرس الأهم من هذه المراجعة انه مهما تباينت الآراء وتضاربت في أسباب الحرب التي اندلعت عام 1975، فهي كلها تتقاطع عند مسألة غياب الدولة او عجزها، فالقول عشية الانفجار الكبير بالغبن والحرمان من جهة، او الخوف على الوجود والقلق على الهوية من جهة أخرى، أسباب تعود كلها الى قصور الدولة في تأمين شروط المساواة وتحقيق العدل بين أبنائها وتوفير الامن لهم وضمان المصير. وحتى القول بتغليب دور العوامل الإقليمية والدولية في تفسير جذور الازمة او مساراتها فهو يرجع الى فشل الدولة في تحصين الاستقلال والحفاظ على السيادة، فراح كل فريق يعقد التحالفات الخارجية ويستقدم السلاح ويستنجد بالدول الأجنبية وجيوشها اذ لا دولة عنده تبعث بالثقة او توحي بالاطمئنان”.

وأردف: “لا بد من الإضافة الى كل ذلك، كم كانت مؤسسات الدولة هشة أصلا وادارتها مرتهنة عند امراء الطوائف، والحقيقة انه كما كان غياب الدولة او عجزها هو المشكلة، فلا حل الا بإعادة بنائها، لنعود اذن الى ما ارتضيناه ميثاقا في ما بيننا لا لوقف الحرب فحسب، بل لإعادة بناء الدولة على قاعدة متينة من الإصلاح، وعنيت بذلك اتفاق الطائف. فلنطبق بنوده بالكامل، ولنصوب ما طبق منه خلافا لنصه او روحه، ولنعمل على سد ما تبين فيه من ثغرات، وعلى تطويره كلما دعت اليه الحاجة. ولأن اتفاق الطائف قال ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وهو ما تخلفنا عنه طويلا، فلا بد من التشديد اليوم ان لا دولة حقيقية الا في احتكار القوات المسلحة الشرعية للسلاح، فهي وحدها التي توفر الامن والأمان لكل المواطنين، وهي وحدها القادرة على بسط سلطة القانون في كل ارجاء البلاد وعلى صون الحريات العامة والخاصة، وهذا ما اكد عليه البيان الوزاري لحكومتنا، حكومة الإنقاذ والإصلاح”.

وقال: “السيدات والسادة، فلنعمل اذن من اجل دولة قوية عادلة تُعيد الثقة إلى شبابنا، دولة حديثة نعيد بناء مؤسساتها على أساس الكفاءة لا الزبائنية، دولة مدنية تضع في قلب سياساتها الإنسان الفرد، المتساوي في الحقوق والواجبات مع شريكه في المواطنة، لا الطائفة او المذهب، دولة تحفظ الذاكرة لنتعلم من ماضينا كي لا نكرر اخطاءنا، بل خطايانا تجاه بعضنا البعض، دولة تثمن مبدأ المساءلة وترفض منطق “عفا الله عما مضى”، دولة تقوم على قوة القانون لا على هشاشة منطق “تبويس اللحى”. ولان الجروح لا تختم على زغل، فان مسؤولية الدولة هي ان تعالج ايضا ملفات المفقودين والمخطوفين بجدية وشفافية، وصولاً الى الحقيقة لأنها وحدها ما يحقق العدالة المنشودة، فلنجعل من الذكرى الخمسين نقطة تحوّل، لا مجرد لحظة للتذكر، فلننظر معاً إلى الأمام، إلى لبنان جديد، يليق بتضحيات أبنائه، ويحتضن طموحات شبابه”.

أضاف: “لكل ذلك، ولكي تكون الذكرى لحظة للتفكير بعبر الماضي وحافزا الى غد أفضل، فإنني ادعو الى دقيقة صمت وطنية شاملة ظهر 13 نيسان، في تمام الساعة الثانية عشرة، تتوقف فيها الحركة في كل مكان لنكون اجتمعنا، جميع اللبنانيين، تحت شعار “منتذكر سوا، لنبني سوا”. رحم الله كل شهدائنا، شهداء كل لبنان، وشفى الجراح التي لم تلتئم بعد، حمى الله لبنان واللبنانيين”.

وبعد الافتتاح، عقدت جلسات تخللها شهادات ومقاربات وحوارات عن الماضي والحاضر وماذا تغير منذ اندلاع الحرب الاهلية.