لم تكن الدول العربية، ومن بينها لبنان، بمنأى عن الرسوم الجمركيّة الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على مجموعة واسعة من السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة. لكن نسبة الرسوم بدت متفاوتة كثيرًا بين دولة عربية وأخرى، جاءت سوريا في مقدّمة القائمة بنسبة 41%، تلتها العراق بنسبة 39%، ثم ليبيا بنسبة 31%، الجزائر بنسبة 30%، تونس بنسبة 28 %، والأردن بنسبة 20 %، أمّا بقية الدول العربية فلم تتجاوز الرسوم الجمركيّة المفروضة على صادراتها نسبة الـ 10 %، وهي لبنان ، قطر، الإمارات، السعودية، مصر،الكويت، السودان، اليمن، جيبوتي، عمان، البحرين المغرب، موريتانيا وجزر القمر.
تداعيات متفاوتة عربيّا ولبنان الأقل تأثرًا
تعتمد العديد من الدول العربيّة على الولايات المتحدة كسوق رئيسي لصادراتها، لا سيّما في قطاعات النفط والغاز الذي يشكل حوالي 80 % من إجمالي الصادرات الخليجية، والمعادن (الألمنيوم والفولاذ)، والمنتجات الزراعية (التمور، الحمضيات، الأسماك المجمدة)، والصناعات البتروكيماوية والمنسوجات.وتتفاوت تبعات التعرفات الجمركيّة على اقتصادات الدول العربيّة وفق نسب هذه الرسوم، وحجم صادرات كلّ دولة إلى الولايات المتحدة، ومدى اعتمادها على التجارة الخارجيّة والاستثمارات الدوليّة. قد يدفع الواقع الجديد الدول العربيّة إلى تعديل سياساتها التصديرية والبحث عن شريك تجاري بديل، أو العمل لجذب الاستثمارات الصينيّة وتطوير الصناعات المحليّة. بالنسبة للبنان، لن تترك الرسوم الجمركية الجديدة تأثيرًا مباشرًا على اقتصاد البلد وتجارته الخارجية، ليس فقط كون نسبتها هي الأدنى، ولا تتجاوز الـ 10 بالمئة، بل لأنّ حجم صادرات لبنان إلى الولايات المتحدة الأميركية متواضع جدًا، ومعظم صادراته إلى الدول الأوروبية والخليجية، يلفت الخبير المالي والاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس أبو دياب في اتصال مع “لبنان 24” من هنا يرى أنّ التأثير سيكون محدودًا جدًّا. بالمقابل يستبعد أن يلجأ لبنان إلى معاملة الولايات المتحدة الأميركيّة بالمثل، عبر فرض رسوم جمركية على البضائع الأميركيّة بطريقة مباشرة.
ذهب لبنان يحلّق محققًا مكاسب
أربكت رسوم ترامب الأسواق العالميّة فور الإعلان عنها، ما دفع المستثمرين للإقبال على أصول الملاذ الآمن والعزوف عن المخاطرة. فارتفع الذهب إلى مستوى قياسي خلال التعاملات ، ليصل إلى 3167.71 دولارًا للأونصة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، لكنه عاد وتراجع إلى 3040 دولارًا للأونصة، وسط عمليات جني أرباح. وعلى رغم التقلّبات الحادة في أسعاره، لا يزال المعدن الأصفر يشكلّ الملاذ الآمن الوحيد وفق أبو دياب “ولأنّ لبنان يمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الذهب في الدول العربيّة بإجمالي 286.8 طنًا، فقد انعكست تعرفات ترامب إيجابًا في هذ السياق، حيث قفزت قيمة الذهب إلى ما يوازي 31 مليار دولار، أي أنّ ذهب لبنان حقّق ما يوازي مليار دولار في ليلة واحدة”. يذكر أنّ لبنان قد احتلّ المرتبة الأولى عالميًّا في معدّل احتياطي الذهب نسبةً إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تصل إلى 76.5 %، وهي الأعلى عالميًّا.
الاقتصاد الأميركي وفخ الركود
الاقتصاد الأميركي نفسه، لن يكون بمنأى عن تبعات رسوم ترامب، وقد يعاني من ركود محتمل يشير أبو دياب ” تأثيرات كبيرة للرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي، وهو أكبر اقتصاد في العالم بحجم 28 تريليون دولار، أي ما يوزاي اقتصاد أوروبا والصين معًا. التأثير المباشر ظهر في حركة الأسواق الماليّة في الولايات المتحدة، حيث سجّلت الأسهم الأميركيّة تراجعات حادّة. كما سيظهر التأثير المباشر في ارتفاع أسعار السلع المستوردة بطبيعة الحال، الأمر الذي سيؤدّي حتمًا إلى التضخّم. علمًا أنّ الأسواق الأميركيّة تعاني أساسًا من ارتفاع معدّلات التضخّم منذ جائحة كورونا، وقد حاول الفيدرلي الأميركي خفض معدّلات الفائدة مرتين العام الماضي، مع توجّهه لخفضها ثلاث مرات هذا العام، ولكن ذلك دونه صعوبات بفعل ارتفاع نسبة التضخم من جديد، على خلفيّة المنحى التصاعدي للرسوم الجمركية. هذا، وتشير التقديرات الأوليّة بحسب تقرير بلومبرغ، إلى أنّ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سيسجّل 0.8% أي بتراجع 1%، بالإضافة إلى ارتفاع التضخّم بمعدل 3.5%”.
رسوم ترامب تزلزل الاقتصاد العالمي
يتوقع خبراء الاقتصاد أن تؤدي الرسوم الجمركية التجارية الأميركية، إلى استنزاف المزيد من قوّة الاقتصاد العالمي، الذي يعاني تبعات الصراعات الجيوسياسيّة، وبالكاد تعافى من التضخّم بعد جائحة كورونا. يتحدث أبو دياب عن تداعيات ستطال الاقتصاد العالمي ككل، أبرزها الاضطرابات في سلاسل التوريد، بفعل حالة عدم اليقين حول حجم الرسوم وماهيّة السلع المشمولة بها ونسب الارتفاع وتفاوتها بين الدول. وكلّها عوامل تعزّز حالة الإرباك في الاستيراد والتصدير على مستوى التبادل التجاري العالمي، ما يؤدي إلى تباطؤ في النمو، وقد ظهرت مؤشّراته الأولى على الفور في أسواق النفط، حيث انخفض الطلب عل النفط بحدود 2% عقب إعلان ترامب. كما ستتأثر الأسواق بارتفاع الأسعار عالميًّا، وما قد ينتج عن ذلك من ركود تضخّمي على مستوى العالم. يضاف إلى ذلك، تبعات الردود المحتملة لاسيما من قبل أوروبا، في السياق أعلن البرلمان الأوروبي أن الرسوم المضادّة ستعلن في 14 نيسان. أمّا الصين فأعلنت عن فرض رسوم جمركيّة بنسبة 34% على جميع الواردات الأميركيّة، بدءًا من العاشر من نيسان الجاري، ونتج عن رد الصين هبوطٌ في أسعار الأسهم في الأسواق العالميّة.
هدف ترامب: أميركا بيئة حاضنة للصناعات
سياسة ترامب الجمركيّة هدفت إلى جذب الصناعات، عبر منحها حوافز، انطلاقًا مما أعلنه من أنّ الشركات التي تختار الاستثمار والتصنيع في الولايات المتحدة لن تدفع أي رسوم جمركيّة، ويلفت أبو دياب إلى أنّ ترامب يسعى إلى إعادة الصناعات التي خرجت من الولايات المتحدة، بما فيها الصناعات الأميركية التي ذهبت إلى الصين والبرازيل ودول أخرى.
بالمحصلة، تقدّم الأسواق العالمية مؤشّرات على دخول الاقتصاد العالمي في حرب تجاريّة اقتصاديّة، لا تبدو واضحة الأفق، حيث تقود تعرفات ترامب الجمركية إلى إعادة النظر في الخريطة التجارية على مستوى العالم، وقد تشكّل أول مسمار في نعش العولمة.