يعيش “التيار الوطني الحر” اليوم واحدا من أصعب مراحله السياسية منذ تأسيسه، إذ تتراكم عليه التحديات من أكثر من جهة في الداخل اللبناني، وفي أكثر من ساحة سياسية وانتخابية. فالتيار الذي شكّل لسنوات أحد أبرز اللاعبين على الساحة المسيحية واللبنانية، بات اليوم محاصرا سياسيا وتحاصره كذلك قوى كبرى في التحضير للمعارك الانتخابية المقبلة، بدءا من الانتخابات البلدية والاختيارية وصولا إلى الانتخابات النيابية.
في السياق البلدي، تسعى القوات اللبنانية ومعها مجموعة من الحلفاء المحليين والسياسيين إلى محاصرة التيار الوطني الحر بشكل كامل، من خلال تشكيل لوائح انتخابية مضادة له في مدن وأقضية تُعتبر تاريخيا مراكز نفوذ للتيار، أبرزها جونية وزحلة والجديدة، إضافة إلى قضاء البترون الذي يمثّل رمزية سياسية خاصة لرئيس التيار النائب جبران باسيل، وحتى في منطقة جزين التي سبق أن كان للتيار فيها حضور قوي. تنجح هذه المحاولات حتى الآن إلى حد بعيد، إذ إن التيار يواجه صعوبات كبيرة في تشكيل لوائح مكتملة ومستقرة، كما يواجه تراجعا في التحالفات الشعبية والسياسية في أكثر من منطقة.
لكن التحدي البلدي ليس سوى وجه من أوجه الأزمة. إذ إن التيار بات في عزلة سياسية واضحة، بعد أن تدهورت علاقاته مع أغلب القوى السياسية، وبينها حلفاء سابقون. علاقته برئيس الحكومة نواف سلام شبه مقطوعة عمليا، وتواصله مع القوى السيادية شبه معدوم، في حين أن علاقته مع حزب الله تمر بمخاض دقيق، أما علاقته مع العهد الرئاسي، فهي لا تزال متوترة، مما يزيد من صعوبة موقعه السياسي.
هذا الواقع يضع التيار أمام تحد وجودي قبل الانتخابات النيابية المقبلة، في ظل محاولات جدية لإخراجه من المعادلة السياسية بشكل تدريجي، تبدأ بالعزل البلدي وتنتهي بتقليص كتلته النيابية. ورغم محاولات جبران باسيل إعادة التموضع السياسي وفتح قنوات حوار جديدة، إلا أن المناخ العام لا يبدو مؤاتيا لعودة قوية في المدى القريب، ما يفرض على التيار مراجعة شاملة لخياراته وخطابه وتحالفاته، قبل فوات الأوان.