بالتزامن مع الزيارة التي أجراها رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى العاصمة القطرية الدوحة، والتي وُصِفت بالمثمرة، انشغلت الأوساط السياسية الداخلية بالمواقف التي أطلقها في حواره الشامل مع صحيفة “العربي الجديد”، والتي أثارت جدلاً واسعًا في داخل لبنان وخارجه، دفع بالسلطات العراقية مثلاً إلى “استدعاء” السفير اللبناني في بغداد، على خلفية تصريحات عون حول عدم رغبة بلاده باستنساخ تجربة “الحشد الشعبي”.
Advertisement
]]>
ففي حديثه المطوّل، قال الرئيس اللبناني إنّ القرار اتُخِذ بسحب (وليس نزع) سلاح “حزب الله”، أو بكلام آخر، “حصر السلاح بيد الدولة”، لكن تبقى “كيفية التنفيذ”، من دون تفجير حرب أهلية في لبنان، مؤكدًا أنّه يسعى لإنجاز ذلك خلال هذا العام، وتحدّث عن إمكانية “استيعاب” عناصر الحزب في الجيش، مثلما حصل في نهاية الحرب اللبنانية مع أحزاب عدّة، لكن من دون استنساخ تجربة “الحشد الشعبي” في العراق، أو أن يكون وحدة مستقلّة داخل هذا الجيش.
وقد أثارت مواقف عون هذه جدلاً على أكثر من خطّ، فخصوم “حزب الله” مثلاً توجّسوا من فكرة “استيعاب” عناصر الحزب في الجيش، بعدما كانوا تحفّظوا سابقًا على مبدأ الحوار الذي يتمسّك به الرئيس، في حين أنّ المطلوب هو الذهاب إلى التنفيذ، فيما طُرِحت في المقابل علامات استفهام عن موقف “حزب الله”، خصوصًا بعد حديث عضو مجلسه السياسي محمود قماطي عن “قطع اليد التي تمتدّ على السلاح”، ولو أكّد لاحقًا أنّه لم يكن موجّهًا للرئيس..
جدل واسع..
صحيح أنّ رئيس الجمهورية في مواقفه الأخيرة لم يقُل جديدًا، وحافظ على نوع من “التوازن” في مقاربته لملف سلاح “حزب الله”، بين إصراره على مبدأ “حصر السلاح بيد الدولة”، وهو الذي كان قد تعهّد به أساسًا في خطاب القسم الذي ألقاه بحضور نواب الحزب الذين صفّقوا له، ورغبته في الوقت نفسه بعدم “استفزاز” الحزب، بل ربما بـ”استيعابه” في مكانٍ ما، على طريقة طرح “استيعاب” عناصره في الجيش، بمعزل عن الجدل الذي أثاره.
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ مواقف عون المتقدّمة من ملفّ السلاح، فتحت نقاشًا واسعًا في البلاد، وسط تباينٍ واضح في المقاربات، حيث تركّز الاهتمام على نقطتين “إشكاليتين”، أقله من وجهة نظر خصوم “حزب الله”، أولهما التأكيد مجدّدًا على الحوار، الذي يُخشى أن يستغلّه البعض من أجل “المماطلة” في سحب السلاح، وثانيهما فكرة “الاستيعاب في الجيش” التي أثارت بعض الهواجس لدى البعض، ممّن رأوا أنّ المقارنة مع الحرب اللبنانية في غير مكانها.
فمع أنّ رئيس الجمهورية كان واضحًا وفق ما يقول العارفون، لجهة أنّ أبواب الجيش مفتوحة لعناصر “حزب الله” كغيرهم، بوصفهم مواطنين لبنانيين، إذا ما توافرت الشروط والمؤهلات المطلوبة، من دون أيّ “دمج” مثلاً، فإنّ هناك بين المعارضين من توجّس من الفكرة بحدّ ذاتها، استنادًا من الأعداد الكبيرة لعناصر “حزب الله”، فضلاً عن ولائهم السياسيّ، وكذلك عقيدتهم الديني، ما يمكن أن يضرب “التوازن الطائفي” المعمول به في مؤسسات الدولة.
ماذا عن موقف “حزب الله”؟
بعيدًا عن ملاحظات معارضي “حزب الله” على مواقف الرئيس جوزاف عون، وهي ملاحظات يقول العارفون إنّها أخرجتها عن سياقها في مكانٍ ما، وبالمعنى الشعبي، “قوّلت” رئيس الجمهورية ما لم يقله، إن صحّ التعبير، ثمّة من سأل عن موقف “حزب الله” نفسه، فكيف تلقّف طروحات عون عمليًا، ولماذا سارع على لسان عضو مجلسه السياسي محمود قماطي ليهدّد كلّ يد تريد أن تمتدّ على سلاح المقاومة، وكأنّه لم يستوعب بعد المتغيّرات التي طرأت على المشهد؟!
هنا، يؤكد العارفون أنّ “حزب الله” يقارب بإيجابيّة مطلقة مواقف عون، سواء في حديثه لصحيفة “العربي الجديد”، أو في لقاءاته مع المسؤولين العرب والأجانب، حيث يبدي حرصًا مقدَّرًا على السلم الأهلي قبل كلّ شيء، ويسجّل الحزب لرئيس الجمهورية أيضًا تأكيده على الحوار مع الحزب، خلافًا لرغبة “المستعجلين” لنزع السلاح من دون أيّ ضمانات، كما يسجّل له دعوته الأميركيين إلى “الضغط على إسرائيل” أولاً، “وليتركوا لنا مهمة التعامل مع حزب الله”.
من هنا يقول المطّلعون على أدبيّات الحزب إنّ الكلام الذي أطلقه قماطي لم يكن موجّهًا ضدّ الرئيس بأيّ شكل من الأشكال، وهو ما أوضحه لاحقًا في حديث لقناة “الجديد”، بل موجَّه بالدرجة الأولى ضدّ من يضغط على الرئيس وغيره، سواء في الداخل أو الخارج، علمًا أنّ الحزب سبق أن أبدى للرئيس كلّ انفتاح على مناقشة استراتيجية دفاعية وطنية، يندرج مصير السلاح من ضمنها، بمعزل عن كلّ ما يثار في الإعلام حاليًا، ولا يعتبر الحزب نفسه معنيًا به.
يقول “حزب الله” إنه يقارب بإيجابية مواقف رئيس الجمهورية، حول السلاح وغيره، لكن بسلبية مواقف الآخرين، ممّن “يستعجلون” القضاء عليه ونزع سلاحه. ويقول الحزب أيضًا إنّه منفتح للنقاش مع رئيس الجمهورية حول الاستراتيجية الدفاعية، في إطار ثنائيّ، وليس عبر الإعلام. لكن كيف يوازن الحزب بين هذه الإيجابية والسلبيّة، فيما الرئيس واضح بأنّ قرار “سحب السلاح” قد اتُخِذ؟ سؤالٌ لا يبدو أنّ إجابته واضحة حتى الآن…