إلاّ أن استمرار إسرائيل في استهداف عدد من القيادات الميدانية في “المقاومة” أو عددّ آخر من قيادة حركة “حماس” في لبنان من دون حسيب أو رقيب من شأنه أن يدفع “حزب الله” إلى التمسك بسلاحه اليوم أكثر من أي وقت مضى. وبحسب ما يروج بعض الذين يدورون في فلك إعلامه من المحللين السياسيين والاستراتيجيين فإن لهذا السلاح دورًا أكبر مما كان عليه في الماضي القريب والبعيد، وإن اختلف اللبنانيون على هذا الدور، الذي يتراوح تقييمه بين رفضه في المطلق، وهذا ما تعبّر عنه القوى السياسية المناهضة لسياسة “حزب الله”، وهم الذين خاضوا الانتخابات النيابية الأخيرة بشعارات ترفض سلاحه. أمّا الذين يرفضون حتى الحديث عن السلاح، وهم المتشدّدون في توجيه بعض الرسائل الصوتية، التي حملت أكثر من تهديد إلى الذين يطالبون بنزع هذا السلاح بأي وسيلة بأنهم سيواجَهون كما وُجهت إسرائيل، أو أن اليد التي ستمدّ على “المقاومة” ستقطع.
وبين هؤلاء وأولئك يأتي موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي تعهد في خطاب القسم بألا يكون على كامل التراب اللبناني سلاح خارج القوى الشرعية، ويعود ليذكّر بهذا الموقف في أكثر من مناسبة، وآخرها ما قاله في عيد الفصح المجيد على أثر لقائه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، حين أكد أن قرار حصر السلاح في يد القوى الشرعية، التي تحدّثت عنه مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وافق عليه “حزب الله” من دون تحفّظ عندما فوضّت الرئيس نبيه بري، كونه الأخ الأكبر”، التفاوض باسمه مع الجانب الأميركي، الذي مثّله آموس هوكشتاين.
إلا أن موقف الرئيس عون المبدئي يختلف عن مواقف الآخرين من حيث التطبيق العملي لهذا الموقف، الذي يحتاج التعاطي مع هذا الملف الكثير من الحكمة، بحيث لا تأتي النتائج عكسية، خصوصًا أن الدعوة إلى معالجته بالحوار الهادئ وغير الانفعالي لا يعني تمييع الموضوع وحرفه عن خطّه المستقيم، بل هو تطبيق عملي لما ورد في خطاب القسم، الذي قيل عنه، إنه لم يكن ليرد بهذه الصيغة لو لم يكن لصاحب القول تأكيدات بأن “حصرية السلاح” في يد القوى الشرعية دون سواها من قوى الأمر الواقع ليس مجرد شعار أُطلق لأسباب ظرفية فرضتها المناسبة الرئاسية، ولا من أجل أن يُقاطع لأكثر من مرة بتصفيق حار.
فالحوار الذي يقصده الرئيس عون ليس بالطبع “حوار الطرشان”، الذي خبره اللبنانيون على مدى فترات ماضية متقطعة، والذي عُرف بـ “طاولات الحوار”، التي لم ينتج عنها سوى المزيد من التشنج. أمّا حوار اليوم، وهو سيكون بالمباشر عندما تهدأ الأعصاب قليلًا، وبغض النظر عن استمرار إسرائيل في استهداف ما ومن تستهدفه يوميًا، سيكون ثنائيًا في بادئ الأمر، على أن يصبح شاملًا بعد أن تقتنع القيادتان السياسية والأمنية في “حزب الله” بأن سلاح “المقاومة” لم يعد له الدور الذي كان عليه في الماضي، وبالأخصّ عندما كان رمزًا من رموز ما كان يُعرف بـ “توازن الرعب”، الذي تحّول بعد تفجير “البيجرات” إلى معادلة أكثر واقعية وأكثر تواضعًا.