الذين يراقبون استمرار العدو الإسرائيلي في اعتداءاته المتواصلة منذ اليوم الأول لسريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، والذي التزم به “حزب الله” لأسباب كثيرة، يرون أن هذه الاعتداءات تعقدّ الاتصالات الهادئة التي يقوم بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من أجل معالجة موضوع سلاح “الحزب” من دون أن يكون له تأثيرات جانبية غير محسوبة النتائج، وتعطي القيادتين السياسية والعسكرية في “الحزب” ذريعة متقدمة لكي يتمسّك بسلاحه أكثر من أي يوم مضى.
وفي اعتقاد هؤلاء المراقبين أن إصرار “حزب الله” على التمسّك بسلاحه لا يعني بالضرورة أن الاتصالات الهادئة قد وصلت إلى حائط مسدود، على رغم صعوبة التوصّل إلى حلول قريبة، وذلك نظرًا إلى تمسّكه بمعادلة ذهبية بالنسبة إليه، وهي أنه من غير المنطقي أن يتمّ هذا التسليم قبل انسحاب إسرائيل من آخر شبر من الأراضي التي تحتلها، وقبل أن توقف اعتداءاتها التي تطاول ما تعتبره “المقاومة الإسلامية” انتهاكًا فاضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وهذا الأمر من شأنه أن يعرقل المساعي القائمة لاستكمال ما بدأه الجيش في المنطقة الواقعة جنوب الليطاني كخطوة أولى في مسيرة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية تدريجيًا، ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية، التي ستكون محور زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبنان.
وما يعزّز فكرة إرجاء البحث الجدّي في موضوع تسليم “حزب الله” لسلاحه ما صرّح به الرئيس نبيه بري من “أننا لن نسلّم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من إسرائيل. سلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعليّ لاتّفاق وقف النار والذهاب إلى حوار في مصيره”، وإذ أكد تأييده للحوار بين رئيس الجمهورية و”حزب الله”، أعرب عن ارتياحه إلى تمسّك عون بمواصفاته وشروطه. وقال بري: “من المهمّ أيضاً الضغط على الجيش الإسرائيلي لكي ينفّذ ما عليه من التزامات اتّفاق وقف النار. نحن نفّذنا المطلوب منّا ولا أحد يشكّك في ذلك. أمّا هو فلا. هذه مسؤولية الأميركيين حتماً، وذلك يعني أيضاً أنه لا نسلّم كلّ أوراقنا ونضعها على الطاولة. المطلوب منّا اثنان أنجزهما لبنان، وهما نشر الجيش في الجنوب وانسحاب “الحزب” منه، وهو مذّاك لم يطلق رصاصة. كلاهما تمّا. أمّا المطلوب من إسرائيل فليس كذلك. عليها وقف نهائي للنار والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، وكلاهما لم يحصلا، بل تضاعف إسرائيل من اعتداءاتها وغاراتها. لتوقف النار على الأقلّ”.
فهذا الموقف قد أعاد موضوع تسليم “الحزب” لسلاحه إلى المربع الأول، وأعاد الأمور إلى واجهة البحث البعيد عن الأضواء توصلًا الى إقرار استراتيجية دفاعية وطنية تحمي لبنان من العدو الإسرائيلي، من دون أن تضطّر “المقاومة الإسلامية” إلى تقديم سلاحها على طبق من فضّة، محتفظة بهذه الورقة إلى ما بعد نجاح الضغوطات، التي يجب أن تمارسها واشنطن على تل أبيب قبل أي أمر آخر.
وقد جاء موقف الرئيس بري مكمّلًا لموقف سبق أن أعلنه الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في آخر إطلالة له، والذي كان متشدّدًا به لجهة تحذير الذين سيقومون بالضغط في اتجاه نزع سلاح “الحزب” بالقوة بأنهم سيلقون مواجهة مماثلة لتلك المواجهة التي خاضتها “المقاومة” ضد إسرائيل، وهو تحذير أخذ حيزًا واسعًا من ردود الفعل المحلية والعربية والدولية.
وفي رأي هؤلاء المراقبين فإن استخدام الرئيس بري مصطلح “الآن” يعني أن المفاوضات الجارية بين “بعبدا” و”حارة حريك” لم تصل إلى خواتيم يمكن التعويل عليها، ولكن من دون أن يعني ذلك أن هذه المفاوضات لن تصل إلى ما يحقّق ما يسعى إليه الرئيس عون لجهة بسط سلطة الدولة دون غيرها على كامل الأراضي اللبنانية، وذلك تماشيًا مع ما جاء في خطاب القسم، الذي يُعتبر خارطة طريق لا بد من أن تنتهج من خلال الحوار الهادئ والعقلاني بعيدًا عن المزايدات، التي يمكن أن تضرّ أكثر مما تفيد.
في المقابل فإن البحث عن الدور السياسي المستقبلي لـ “حزب الله” بعد تخّليه عن سلاحه سيُحدّد حتمًا بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، وفي ضوء ما ستُفرزه نتائج الصناديق في كل البلديات، لا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، لجهة تحديد الاحجام الشعبية لـ “الثنائي الشيعي”. من هنا فإن العمل الجاري في هذه البلدات منصّب لكي تأتي نتائج الانتخابات كما كانت في السابق، بحيث تحول دون خروقات مفصلية. وفي حال أتت النتائج كما يريدها هذا “الثنائي” فإن الحديث عن عملية تسليم السلاح سيكون مغايرًا عمّا عليه الوضع “الآن”، على حدّ تعبير الرئيس بري.