هذا أكثر ما يزعج المغتربين والسياح

1 مايو 2025
هذا أكثر ما يزعج المغتربين والسياح


لا شكّ في أن موسم الصيف سيكون “غير شكل” هذه السنة. الدلالات كثيرة. وأهمّ هذه الدلالات أن كثيرين من السياح الأجانب، وبالأخص الأخوة العرب، وفي طليعتهم من دول الخليج العربي، الذين يعربون عن مدى اشتياقهم لقضاء قسط من عطلتهم الصيفية في الربوع اللبنانية بعد سنوات طويلة من الانقطاع القسري الخارج عن ارادتهم، وذلك بسبب ما مرّ على لبنان من أحداث حالت دون تمكّنهم من الاستمتاع بما يميز لبنان عن سائر الدول السياحية، قرروا العودة بالزمن إلى الماضي الجميل. وقد يكون من بين هذه الأسباب ما في لبنان من جمال طبيعي ومناخ معتدل، خصوصًا في مدنه الجبلية الاصطيافية، التي ذاع صيتها في العالم العربي، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر عاليه وبحمدون وصوفر، إضافة إلى المدن المتنية كبرمانا وبيت مري وغيرها من بلدات الاصطياف، وصولًا إلى البلدات الشمالية والجنوبية والبقاعية.


Advertisement

]]>

وعلى رغم ما في لبنان من مقومات الجذب للسياح العرب والأجانب والمغتربين اللبنانيين المنتشرين بكثافة في اصقاع الدنيا فإن أكثر ما يزعج هؤلاء هو هذه الفوضى غير المحدودة والمتنقلة على طرقات لبنان، التي أصبحت القيادة فيها مخاطرة كبيرة، إذ أن غياب تنظيم السير هو من بين الأمور التي تزعج هؤلاء الذين يقصدون لبنان في هذه الفترة من السنة أكثر من أي شيء آخر، حتى أن أحد الذين أذهلهم جمال لبنان لم يتوانَ عن وصف حركة السير على طرقات لبنان بأنها مشروع دائم لحوادث مميتة. وهذا الواقع لا يزعج فقط السياح الأجانب، بل أبناء الوطن المهاجرين الذين يعيشون في بلدان تُعتبر سلامة الطرقات من الأساسيات في حياة الشعوب، التي تحترم أنظمة السير، على قاعدة أن قيادة السيارات هي أخلاق قبل أي شيء آخر، “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
فهذا الذي يأتي من بلاد بعيدة لتمضية جزء من اجازته السنوية في الربوع اللبنانية ليستمتع بما وهب الله هذا البلد الجميل من مزايا فريدة لم يأتِ لكي تُتلف أعصابه في كل مرّة يقرّر فيها أن يقود سيارته في اتجاه بيروت “الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود”. فما يشاهده هذا الذي السائح أو ذاك المغترب من مشاهد غير طبيعية على طرقات لبنان لا يمكن وصفه إلا أنه “عصفورية” مفتوحة ومتنقلة بكل ما لكلمة “عصفورية” من معانٍ غير مستحبة. إلاّ أن هذا الواقع لا يمكن انكاره أو التستر عليه لأن هؤلاء مضطّرون لأن يقصدوا أماكن التسّوق في العاصمة أو في أي مدينة ساحلية، التي لا تخضع لأي قانون سير. فالفوضى هي السائدة كيفما اتجه المرء، و”الشاطر بشطارتو”. وإذا صودف أن واحدًا من هؤلاء السياح قرر أن يقود  سيارته كما يقودها في البلد الآتي منه، حيث تُحترم أنظمة السير، وحيث تُضبط المخالفات بقوانين صارمة وموجعة، فإن الويل والسبور وعظائم الأمور تنهال على رأسه من كل حدب وصوب، مع وابل من الشتائم ذات الأعيرة الثقيلة لأنه لم يقد سيارته كما يقودها الذين “يزوربون” و”يدوبلون” شمالًا ويمينًا من دون أن يحسبوا حسابًا لذاك المسكين المغضوب عليه لأنه اضطّر لأن يقود سيارته وفق الأصول في زحمة لا توقيت لها. ففي أي ساعة من ساعات الليل والنهار وكيفما اتجه المرء ما عليه سوى أن يتناول قبل أن يجلس وراء مقود سيارته ما يتوافر له من أقراص مهدئة للأعصاب، وهي متاحة في كل الصيدليات ومن دون وصفات طبية (وهذا نوع آخر من أنواع الفوضى في الحياة اليومية للبنانيين). 
فإذا أراد المرء أن يعدّد ما يواجهه على طرقات لبنان المستباحة من مخاطر فإنه يتوه في العدّ، لأن هذه المخاطر لا تُعدّ ولا تُحصى، ناهيك عن إطلاق العنان لزمامير مزعجة ترافق جميع الذين يقررون أن يقودوا على طرقات الموت، مما يضيف سببًا متزايدًا لتلف الأعصاب.
باختصار كلي، وكنتيجة لواقع مأزوم يمكن القول إن أي اصلاح على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو المالي لن يجدي نفعًا إن لم يرافقه تطبيق صارم لقوانين السير وقيام شرطة السير والمرور بواجباتهم من دون تمييز بين ابن الست وابن الجارية.
فإذا لم تضبط حركة السير وفقًا للأنماط الدولية المتعارف عليها في دول العالم المتحضّر فإن لبنان سيبقى أسير الأهواء والفوضى والمزاجية. إرحموا من على الطرقات يرحمكم من في السماء.