فيما احتفى العالم قبل يومين ب”اليوم العالمي لحرية الصحافة”، مؤكّداً على قدسية الكلمة وحق الإعلاميين في العمل بلا خوف أو تهديد، كانت غزة وجنوب لبنان ينزفان ذكرى صحافييهما. إسرائيل، التي ترفع شعار الديمقراطية والحريات زوراً، ارتكبت واحدة من أبشع الجرائم بحق الجسم الإعلامي: 212 صحافياً ارتقوا شهداء في غزة منذ بدء العدوان، و409 آخرين أُصيبوا بجروح خطيرة في استهدافات ممنهجة طالت مكاتب إعلامية، سيارات بث مباشر، ومراسلين ميدانيين وهم يرتدون ستراتهم الصحافية بوضوح صارخ.
غزة، التي تحولت إلى مرآة لانهيار القيم الإنسانية، لم يكتفِ العدوّ بجعلها مقبرة للأحلام والأطفال، بل أيضاً مقبرة للصحافيين. أولئك الذين لم يرفعوا سوى الصوت والصورة، لم يكونوا مجرد ناقلي أخبار، بل حماة الحقيقة، شهود الميدان، وأصوات المعذَّبين تحت القصف. فكل صورة نقلوها كانت تحدياً للموت، وكل تقرير كتبوه كان صرخة في وجه الظلم. استشهد حرّاس الكلمة على الخطوط الأمامية لأنهم اختاروا أن يقفوا مع الإنسان، مع الأرض، مع الكرامة.
وفي جنوب لبنان، لم تكن الصورة أقل إيلاماً. فمع بداية العدوان الإسرائيلي، اغتالت آلة الحرب الغادرة المصوّر الصحفي عصام عبد الله والمراسلة فرح عمر والمصور ربيع معماري، في أثناء قيامهم بواجبهم المهني على الجبهة الجنوبية. هؤلاء الثلاثة لم يكونوا مجرد زملاء مهنة، بل رمزاً للبطولة الإعلامية. رحلوا وفي عيونهم آخر صورة التقطوها، وفي قلوبهم آخر رسالة حاولوا إيصالها للعالم، تاركين وراءهم فراغاً موجعاً وجرحاً لن يندمل في ذاكرة من عرفهم ومن تابع عملهم.
شهداء الصحافة ليسوا مجرد أسماء تُدرج في تقارير، هم وجوه محفورة في وجدان كل من آمن بالحق والحرية وكرامة الإنسان، هم الحكايات الحيّة التي ستظل تروي أن الصحافة في لبنان وفلسطين ليست مهنة محايدة، بل معركة في سبيل الحق والتزام مقدّس ووقفة شجاعة مهما كان الثمن.
ونحن نحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة، نجدّد العهد لهؤلاء الشهداء الأبطال بأن دماءهم لن تذهب سدى وبأنّ حرية الكلمة ستبقى أقوى من الصواريخ والدبابات، وبأنّ العدالة حق لا يسقط بالتقادم. ستبقى لعنة دماءهم الطاهرة تطارد الاحتلال، مهما حاول أن يطمس الحقيقة خلف ركام الدمار.