ثلاثة أطراف سياسية حاولت بكل قوتها اختبار شعبيتها من خلال الانتخابات البلدية والاختيارية للانطلاق منها لرسم معالم المرحلة السياسية المقبلة، والتي ستكون الانتخابات النيابية المقبلة بعد سنة من الآن، أولى محطاتها التغييرية، وذلك مجاراة مع ما تشهده المنطقة من تبدّلات جذرية. وهذا ما تجّلى من خلال الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، والتي ستُتابع خطواتها بترجمات عملية قد تبدأ بالظهور تباعًا، وفي ضوء ما ستسفر عنه المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وإن بدت في مرحلة من المراحل متعثرة. وهذا أمر يعتبره المراقبون طبيعيًا لما يُطرح على طاولة البحث من ملفات شائكة ومعقدّة تحتاج إلى طول أناة وصبر. وهذا ما يُعرف عن الشعب الإيراني، الذي يحتاج الفرد منهم إلى الكثير من الصبر لحياكة سجادة يدوية، وإلى الكثير من الوقت لإنجاز ما بدأ به.
Advertisement
]]>
وهذه الأطراف اللبنانية، التي تحاول أن تستثمر نتائج ما تمّ تحقيقه على أرض الواقع البلدي والاختياري من تكريس لهذا الواقع في بعض المناطق، هي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” في الساحة المسيحية، و”حزب الله” في الجانب الشيعي.
ففي المرحلتين الأولى من هذه الانتخابات، أي في جبل لبنان والشمال، لم يكن لـ “حزب الله” التأثير الفاعل سوى في بعض المناطق، التي له فيها نفوذ كقضائي بعبدا وجبيل في جبل لبنان، وفي مناطق محصورة في الشمال، حيث الثقل الفعلي للمكونين المسيحي والسنّي.
أمّا في ما يتعلق ب “القوات” و”التيار” فإن بعد ما تمّ تحقيقه في هاتين المحافظتين، وتاليًا في محافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل، ولاحقًا في بعض أقضية الجنوب، كجزين وقرى شرق صيدا، يمكن استنتاج الخلاصات التالية، على أن يلي هذه الاستنتاجات ما كان هدف “حزب الله” من هذه الانتخابات، التي اعتبرها البعض مفصلية لما لها من غايات وأهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى.
الاستنتاج الأولي بالنسبة إلى التنافس بين “القوات” و”التيار الوطني” في المناطق التي لهما فيها نفوذ نسبي لكل منهما يقود المراقبين إلى الإشارة إلى أن “القوات” أظهرت لما لديها من خبرة انتخابية، ولما تتمتع به من حسن تنظيم، أنها قادرة على الربح حيث ترى أن شعبيتها راجحة، وأنها قادرة على “التراجع التكتيكي”، حيث يستوجب الأمر هذا “التراجع”، تاركة الأمر للتنافس العائلي، مع أن ما سجّلته من نتائج في عدد من المناطق أثبت أنها لا تزال تحافظ على شعبيتها السابقة، وإن كان هذا الاختبار الانتخابي غير معبّر كليًا عن الهوى الشعبي، لأن في هذه الانتخابات تلعب العائلات أدوارًا مهمة بغض النظر عن الانتماءات السياسية والحزبية.
ويعترف هؤلاء المراقبون بأن “ماكينة القوات” هي الأقوى تنظيمًا ومعرفة بالواقع الجغرافي لكل محافظة وقضاء، خصوصًا أن مركزية القرار في “معراب” تعرف كيف تستفيد من “الهوى الشعبي”، وتعرف أين يجب الوقوف في وجه العواصف والمواجهة، وأين يجب “المسايرة” وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، وتترك الخيار النهائي للعائلات.
أمّا بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” فإنه من الملاحظ أن “ماكينته البرتقالية” كانت تعاني من بعض الوهن والتخبّط والضياع، خصوصًا في المناطق، التي كان يعتبرها “مطّوبة” باسمه كقضاء البترون مثلًا، حيث يُرجّح أن يخسر رئاسة الاتحاد فيه، إضافة إلى أن النواب الأربعة الذي خرجوا من صفوفه أثبتوا، ولو بنسب متفاوتة، أن شعبيتهم غير مرتبطة بانضوائهم إلى صفوف “التيار”، وذلك استنادًا إلى النتائج التي حقّقوها في هذه المناطق، والتي يمكن أن يستفيدوا منها للتأسيس لمرحلة الانتخابات النيابية المقبلة، وفق ما يتبيّن لهم تباعًا من معطيات يمكنهم الاستفادة منها لنسج تحالفات موضعية قد تمكّن البعض منهم من الاحتفاظ بمقاعده النيابية، على حساب الرصيد النيابي، الذي كان لـ “التيار” قبل خروجهم منه.
وعليه، فإن كلًا من “القوات” و”التيار” سيحاولان في المرحلة، التي ستلي الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، اجراء مراجعة دقيقة لمعرفة أين أصابا وأين أخفقا، لكي يتمكنّا، كل من موقعه وتموضعه، من نسج التحالفات المتاحة والممكنة لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، مع ما يُحكى عن إدخال بعض التعديلات على القانون الحالي للانتخابات، وبالأخصّ لجهة الصوت التفضيلي.
أمّا بالنسبة إلى “حزب الله”، وقياسًا إلى نتائج انتخابات البقاع وبعلبك – الهرمل، بدأ تحضيراته للانتخابات المفصلية بالنسبة إليه في الجنوب، للحديث صلة.