فيما لا تزال الغارات الإسرائيلية تهدد أمن القرى الحدودية وتُلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية، يتوجّه الناخبون في محافظتي الجنوب والنبطية إلى صناديق الاقتراع، متحدّين الخطر، في استحقاق بلدي واختياري استثنائي، تتجاوز دلالاته البعد الإنمائي المحلي، ليشكل محطة سياسية وطنية تحمل في طياتها رسائل كثيرة.
ليست العملية الانتخابية الجارية مجرد استحقاق إداري دوري، بل تحوّلت إلى فعل سيادي بامتياز، يعبّر، بحسب مصادر في الثنائي الشيعي عن الإرادة الحرة لجمهور واسع يرفض الرضوخ للتهديد، ويصرّ على الإمساك بمفاصل حياته العامة، مهما كان الثمن. ورغم التهديدات الأمنية التي فرضت إعادة توزيع مراكز الاقتراع حرصا على سلامة الناخبين، لم يتراجع الإقبال الشعبي، بل ازداد تمسكاً بالمشاركة. فبلدات مثل عيترون ويارون تقترع في بنت جبيل، فيما انتقل ناخبو مركبا إلى حبوش، والطيبة إلى معهد تول الفني، إضافة إلى بلدات أخرى مثل راميا وحولا التي سيصوت أبناؤها في مراكز بديلة في النبطية وتبنين وزبدين.
من أصل 144 بلدية في الجنوب، حسمت 42 بالتزكية لصالح لوائح “التنمية والوفاء” المدعومة من حركة أمل وحزب الله، فيما شهدت 33 بلدة أخرى توافقات داخلية أنهت السباق الانتخابي مبكراً غير أن هذا التماسك الظاهر لا يخفي وجود تحركات معارضة داخلية، تمثّلت بترشّح شخصيات من داخل الفريق السياسي نفسه، أصرت على خوض المعركة الانتخابية لأسباب شخصية أو عائلية.
هذا الواقع يكشف عن ديناميكية داخلية جديدة ضمن قواعد اللعبة السياسية في الجنوب، حيث تظهر بوادر تمايزات وخروقات، لا تعكس بالضرورة معارضة سياسية تقليدية، بل تعبر، بحسب خبراء انتخابيين عن اهتزازات طفيفة داخل الصف الواحد، يمكن وصفها بالمعارضة الهادئة من الداخل.
وتشهد معظم بلدات حاصبيا مرجعيون تنافسا بين لائحتين في كل بلدة، ضمن مشهد انتخابي يغلب عليه الطابع العائلي مع تداخل سياسي محدود.
وفي منطقة العرقوب ذات الخصوصية الجغرافية والسياسية، تتقاطع التقاليد العائلية مع الانتماءات الحزبية، لتنتج مشهدا انتخابيًا مختلفا. ففي شبعا، أدى فشل التوافق العائلي إلى انقسام انتخابي بين لائحتين. وفي كفرشوبا، تتنافس ثلاث لوائح تمثل طيفاً متنوعاً من القوى السياسية، من اليسار إلى الإسلاميين. أما كفرحمام، فشهدت انقساما داخل الحزب الشيوعي نفسه. وفي الهبارية، يحتدم التنافس بين الجماعة الإسلامية والناصريين والشيوعيين.
وفيما يكشف هذا المشهد هشاشة التحالفات العابرة للمصالح والتوازنات العائلية، تسجل في مناطق غير حدودية، تحولات لافتة في نمط التصويت. في كفررمان، برز الحزب الشيوعي كقوة منافسة حقيقية، متحديا الهيمنة العائلية التي طالما حكمت المشهد البلدي. أما في زفتا، فظهرت لائحة مستقلة شقت طريقها وسط نفوذ تقليدي للوائح التنمية والوفاء، ما يشير إلى تململ داخلي في بعض البيئات الحزبية أكثر منه معارضة سياسية بالمعنى الكلاسيكي.وفي بلدات مثل جرجوع وعدشيت، حافظت العائلات الكبرى على زمام التمثيل المحلي، في مشهد انتخابي تغلب عليه الطموحات الشخصية والاعتبارات التاريخية.
وسط ما تقدم لم يخل الخطاب السياسي المواكب للاستحقاق الانتخابي من البعد التعبوي. فرئيس مجلس النواب نبيه بري دعا الجنوبيين إلى الإقبال الكثيف، خصوصاً في القرى الأمامية، معتبراً أن التصويت “يكرّس هوية الأرض ويقطع الطريق على مشاريع العزل والتفريغ التي يسعى إليها الاحتلال”.وشدد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من جهته على أن “الانتخابات هي فعل مقاومة”، واصفاً الجنوب بأنه “صلب في خياراته وحيّ بأهله”، داعياً إلى جعل نتائج الاقتراع تعبيراً صاخباً عن الإرادة الشعبية.
صناديق الاقتراع رسالة تقول إن الجنوب، برغم الخروقاغت والانتهاكات الاسرائيلية، لا يزال نابضاً بالسياسة، والمشاركة، والتحدي. وأمل الوزير الحجار أن يكون اليوم الانتخابي غداً السبت آمنا مؤكداً أن الإنتخابات البلدية والإختيارية هي التزام من الدولة اللبنانية بإنجاز الإستحقاقات وتثبيت سيادتها على كل الأراضي اللبنانية.