فيما تواصل الحكومة اللبنانية طرح حزمة من الإجراءات تحت عنوان الإصلاحات الضرورية لعبور الأزمة الاقتصادية، تزداد التساؤلات في الأوساط الاقتصادية حول مدى اتّساق هذه السياسات مع الحاجات الفعلية للسوق اللبناني، خصوصاً في ما يتصل بحماية القطاعات الإنتاجية وتأمين فرص العمل.
مصادر مطّلعة على أجواء المداولات الاقتصادية في بيروت تلفت إلى أن سياسة الحكومة حتى الآن تُوصف بالنخبوية، إذ لم تتضمن حتى اللحظة أي خطوات فعلية لمساندة الفئات الأضعف في المجتمع، أو لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل جديدة أو تشجيع الاستثمار في القطاعات المنتجة.
وفي هذا السياق، برز مؤخراً قرار رفع الرسوم على مادة المازوت بنحو 100 دولار لكل ألف ليتر، تحت عنوان تعزيز إيرادات الدولة وضبط المالية العامة. غير أن هذا القرار، وفق خبراء اقتصاديين، يرتّب انعكاسات مباشرة على كلفة الإنتاج في العديد من القطاعات الحيوية، وفي مقدّمها القطاع الصناعي، الذي يعتمد أساساً على مصادر الطاقة البديلة بسبب العجز المزمن في تأمين الكهرباء من الشبكة الرسمية.
وتشير تقديرات متقاطعة إلى أن كلفة إنتاج الكيلوواط سترتفع بنحو 15% نتيجة هذا الإجراء، ما يرفع تلقائياً الأسعار النهائية للسلع المصنّعة محلياً، ويضعف قدرة الصناعيين اللبنانيين على منافسة المنتجات المستوردة في السّوقَين المحلي والخارجي.
وتوضح المصادر أن خطورة هذا الإجراء تتضاعف في ظل التزامات لبنان باتفاقيات التجارة الحرة العربية، التي تتيح دخول السلع من عدة دول عربية إلى السوق اللبناني من دون رسوم جمركية، بينما يواجه المنتج اللبناني كلفة طاقة تفوق أضعاف الكلفة في دول مثل الخليج ومصر، حيث لا تتجاوز كلفة الكهرباء ربع ما يدفعه الصناعي في لبنان حالياً.
وفي وقت تؤكد رئاسة الحكومة أن هذه الإصلاحات جزء من معالجة الاختلالات المالية وإعادة التوازن إلى المالية العامة، ترى الأوساط الاقتصادية أن الإجراءات المتبعة حتى الآن تفتقر إلى رؤية متكاملة توازن بين تصحيح المالية العامة من جهة، وضمان بقاء القطاعات الإنتاجية على قيد الحياة من جهة أخرى.
وتضيف المصادر أن الاعتماد على اجراءات ضريبية سريعة كهذه يشكل مخاطرة على المدى المتوسط، إذ يؤدي عملياً إلى ضرب الإنتاج المحلي وتعزيز منطق الاقتصاد الاستهلاكي الريعي، بما يفاقم العجز التجاري ويرفع معدلات البطالة، في الوقت الذي يفترض أن تشكّل القطاعات المنتجة ركيزة أساسية في أي خطة نهوض حقيقية.
وبينما تسير الحكومة في مقاربة مالية تركّز على زيادة الرسوم والضرائب، يبقى التحدي الأعمق في كيفية صياغة سياسات متوازنة تضع معالجة العجز المالي في كفة، وحماية ما تبقّى من الاقتصاد المنتج في كفة موازية، تجنّباً لانزلاق البلاد إلى دورة انكماش اقتصادي يصعب وقف تداعياتها لاحقاً.