ستاتيكو طويل الامدّ

5 يونيو 2025
ستاتيكو طويل الامدّ


في ظل الجمود السياسي الذي يخيّم على لبنان، يمكن القول إن البلاد دخلت مرحلة “الستاتيكو”، حيث تغيب المؤشرات الفعلية على تحولات داخلية قريبة. النظام القائم، المبني على التوازنات الطائفية والتحالفات الهشة، لا يزال يحكم المشهد، فيما يبدو أن مختلف القوى السياسية تتفادى أي خطوة كبرى قد تخلّ بهذا التوازن، بانتظار ما ستُسفر عنه تطورات المنطقة والعالم.

هذا الركود ليس فقط انعكاسًا لضعف القرار الداخلي، بل هو تعبير صريح عن قناعة لدى الجميع بأن مفاتيح الحلول لم تعد لبنانية، وأن لا تغيير فعليًا سيحصل دون حدث خارجي كبير يعيد خلط الأوراق، فما لن تغيره الحرب لن يتغير بسهولة. وفي هذا الإطار، يُمكن الحديث عن احتمالين فقط قد يبدلان هذا الواقع بشكل جذري.

الحدث الأول هو التفاهم الإيراني – الأميركي، الذي إن حصل، لن يكون مجرد تطور إقليمي، بل عامل حاسم في رسم مستقبل لبنان السياسي. إذ إن هذا التفاهم من شأنه أن يُنهي منطق الاشتباك الدائم بين مكونات الداخل اللبناني، ويضع حدًا لحالة الكباش التي تُدار على قاعدة “من يربح المعركة الإقليمية، يحكم الداخل”. فحين يُرفع الغطاء عن المواجهة، تنتفي الحاجة إليها، وتُعاد صياغة التوازنات على أساس تسوية خارجية مفروضة أو متفق عليها، لا على ضوء حسابات القوى المحلية.

أما الحدث الثاني الذي قد يُعيد تحريك المياه الراكدة، فهو الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصًا إذا أتت نتائجها لتعزز كتلة “الثنائي الشيعي”، وهذا مرجح وفق المعطيات الحالية. توسّع نفوذ هذه الكتلة داخل البرلمان سيُنتج حتمًا توازنًا سلبيًا أكثر حدّة، ما يعني أن العمل التشريعي والسياسي سيتعطل في ظل عدم قدرة أي طرف على فرض قراراته أو الدفع بمشاريعه، بانتظار تسوية وطنية شاملة قد تتأخر أو تتعثر، خصوصًا إذا لم تواكبها إرادة دولية أو رعاية إقليمية.

ما نشهده اليوم في لبنان ليس سوى مشهد انتظار طويل. لا انهيارات كبرى، ولا انفراجات نوعية. فقط إدارة للأزمة ضمن سقف متدنٍ من الاستقرار. وحدهما تفاهمات الخارج أو الانتخابات المقبلة قد تحركان هذا الركود، إما نحو تسوية تُعيد انتظام الحياة السياسية، أو نحو مأزق أشد تعقيدًا يُكرّس العجز ويعمّق الانقسام. وحتى ذلك الحين، سيبقى لبنان عالقًا في ستاتيكو بلا أفق.