من أوروبا إلى لبنان رسالة قاسية ..وهكذا تتأثر التحاويل الماليّة مع أوروبا بالقائمة السوداء

18 يونيو 2025
من أوروبا إلى لبنان رسالة قاسية ..وهكذا تتأثر التحاويل الماليّة مع أوروبا بالقائمة السوداء


فيما كانت الآمال معقودة على خروج لبنان من القائمة الرماديّة لمجموعة العمل المالي”فاتف”، سقط البلد في اللائحة الأوروبيّة السوداء، بوضعه من قبل المفوضيّة الأوروبيّة على لائحة “الكيانات العالية المخاطر” التي تعاني قصورًا في آليات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.


Advertisement

]]>

ماذا عن التوقيت؟ هل اتُخذ القرار الأوروبي نتيجة معطيات ماليّة فقط، أم تقف وراءه خلفيّات سياسية؟ كيف ستتأثر المصارف اللبنانيّة في تعاملاتها مع المصارف الأوروبيّة المراسلة؟ وهل يترك القرار تداعيات على عمليات التبادل التجاري بين لبنان والدول الأوروبيّة؟ وهل يقود القرار الأوروبي مجموعة العمل المالي لتتخذ قرارًا مماثلًا لجهة إخراجها لبنان من القائمة الرماديّة وإدراجه في القائمة السوداء؟  
في توقيت القرار، يقرأ خبير المخاطر المصرفيّة والباحث الاقتصادي الدكتور محمد فحيلي معتبرًا في حديث لـ “لبنان 24” أنّ إدارج لبنان على القائمة السوداء لا يعدو كونه أتى في إطار عمليّة تحديث اللوائح من قبل الاتحاد الأوروبي “فبعد إدراج لبنان على اللائحة الرمادية في تشرين الأول 2024، كان من الضروري إجراء عملية تحديث للوائح، والاتحاد الأوروبي أعطى في حينه ما يشبه مهلة غير معلنة، ليرى ما إذا كانت السلطة السياسيّة في لبنان ستتخذ اجراءات للخروج من القائمة الرمادية لمجموعة “فاتف”. ولكن بعد مرور أكثر من ستة أشهر، لم يتم اتخاذ أيّ قرار جدّي في هذا الإطار، لذلك أراد الاتحاد الأوروبي أن يوجّه رسالة قاسية إلى السلطة السياسيّة في لبنان ، بأنّه غير راض عن القصور في الالتزام بالمعايير والمتطلّبات الدوليّة للإصلاح المالي، وبضرورة التحرّك لإنجاز الإصلاحات.”
توقيت العزلة الأوروبيّة للبنان تزامن مع انفتاح أوروبي ودولي تجاه سوريا، وبذلك يظهر لبنان وكأنّه بلد الفرص الضائعة، يشير فحيلي، إذ أنّ امكانّية مساهمته في إعادة الإعمار في سوريا في زمن العقوبات تراجع اليوم، و فقد البلد فرصة لعب هذا الدور نهائيّا، بعدما بات بإمكان السوري أن يجري كلّ العمليات المصرفيّة بشكل أسهل من إجرائها في لبنان المدرج على القائمة الرمادية “لفاتف”.
التحاويل بعد القرار: تدقيق وتكاليف ووقت إضافي
هناك مفاعيل ماليّة للقرار على مستوى التحويلات المالية بين لبنان ودول الاتحاد الأوروبي، فتصنيف أيّ بلد على أنّه  دولة عالية المخاطر يجعل المصارف المراسلة تتشدّد في الرقابة، وتتخذ إجراءات صارمة في تعاملاتها مع البلد، لجهة المستندات المطلوبة في عمليات التحاويل في الاتجاهين، الواردة من هذه الدول أو الصادرة إليها، للتحقّق من الامتثال لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. كما أنّ المصارف التجارية في أوروبا يصبح لديها تحفّظات إضافية لجهة التعاطي مع كيانات ماليّة في لبنان، تفاديًا لتعريض نفسها لمخاطر التعامل مع مصرف تجاري لبناني متورّط في تبيض الأموال. وهذه الإجراءات سترفع من كلفة التحاويل، وستستغرق العملية وقتًا أطول، يلفت فحيلي معربًا عن اعتقاده أنّ التعامل مع المصارف اللبنانية  قد يختلف من مصرف إلى آخر “بعض المصارف اللبنانية قد تواجه إجراءات مشدّدة أكثر من مصارف أخرى، لأنّ المصارف القوية في لبنان تتعامل بجدّية وحرفيّة، وتمتثل للإجراءات المطلوبة من المصارف المراسلة، لجهة المخاطر الإئتمانيّة ومخاطر السمعة المتأتّية من تبيض الأموال وتمويل الإرهاب. انطلاقًا من هنا أعتقد أنّ هذه المصارف لن تتأثر بقرار الاتحاد الأوروبي، انطلاقًا من العلاقة المتينة التي تربطها بالمصارف المراسلة، والتي تعود إلى أكثر من أربعين عامًا، كما أنّ الإجراءات التي اتخذتها بعد وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل كافية”.
التبادل التجاري مع أوروبا بعد القرار
يحاكي تصنيف الإتحاد الأوروبي قرار مجموعة العمل المالي، وهي مجموعة أممية تحتضن كل الكيانات حول العالم وقراراتها تبقى الأقوى. ولكّن الاتحاد الأوروبي، في تصنيفه للدول عالية المخاطر قد يتّبع معايير لا تتعلّق فقط بتبيض الأموال وتمويل الإرهاب، بل تشمل أيضًا المخاطر السياسيّة والأمنيّة، يوضح فحيلي مستبعدًا أن يؤثر القرار على التبادل التجاري بين لبنان والدول الأوروبيّة “ولكنّه بمثابة جرس انذار بفعل عدم قيام لبنان بتنفيذ الإصلاحات لمغادرة القائمة الرمادية لفاتف. حتّى التعديلات التي أدرجها المجلس النيابي مؤخرًا على قانون السريّة المصرفيّة، كانت قد أُقرت هي نفسها عام 2022 باستثناء المفعول الرجعي، ولكن على المستوى العملاني لم تطبّق.كذلك الحال بالنسبة لقانون مكافحة تبيض الأموال 44/2015 الذي نشر في الجريدة ولم يعمل به، ولم تُسجّل حالة واحدة حصلت فيها محاكمة ضمن مفاعيل هذا القانون. أمّا التهرّب الضريبي فبقي من دون معالجة ،والمؤسسات تعمل وفق مزاجها في ما خصّ تمويل الحركة التجارية في الأوراق النقدية، وقانون إصلاح المصارف لا زال عالقًا في المجلس النيابي”.
قرار الأوروبي ينسحب عل “فاتف”؟
أستبعد فحيلي أن تذهب مجموعة العمل المالي في تصنيفها المقبل بوضع لبنان على اللائحة السوداء تماشيًا مع خطوة الاتحاد الأوروبي “لا زلنا في مكاننا وليس هناك من معطيات جديدة، ولكن استمرارنا على هذا النحو من دون تنفيذ الإصلاحات إلى حين تقييم المجموعة، يعزّز من احتمال انزلاق لبنان إلى اللائحة السوداء لفاتف”. 
قرار الاتحاد الأوروبي قابل للاعتراض
يحقّ للبنان أن يتقدّم باعتراض رسمي لوضعه على القائمة الأوروبيّة السوداء ويدافع عن نفسه، ولكن ضمن مهلة زمنيّة محددة، وهي الفترة الفاصلة عن تعميم القرار على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتصويت يؤكّد فحيلي “من الضروري أن تتحرّك السلطات اللبنانية صاحبة الاختصاص، خصوصًا وزارة المال بالتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء، لتقديم اعتراض، ولمعرفة ما إذ كان إطار الدول عالية المخاطر نقديًّا فقط أم يشمل المخاطر الجيوسياسية وغيرها”.
الاقتصاد النقدي وعلاقته بالتصنيف الأسود 
يقع العبء الأكبر على السلطة التنفيذية، وليس على مصرف لبنان أو المصارف التجارية لاسيما تلك التي حافظت على علاقة جيدة مع المصارف المراسلة، من هنا توجّهت مجموعة العمل المالي إلى وزارات العدل والداخلية والمالية يشرح فحيلي “الإشكاليّة تكمن  في غياب الرقابة الواجبة على مؤسسات عديدة تتعاطى بالكاش مثل كازينو لبنان والمطاعم وغيرهم. كما أنّ السلطات المعنية لاسيما وزارة المال لم تقم بأي إجراء لتقليص الاقتصاد النقدي، وإعادة العمل بوسائل الدفع المتاحة في القطاع المصرفي، لا بل على العكس دفعت باتجاه دفع الضرائب نقدًا، في وقت كان بامكانها القيام بإجراءات بسيطة لتفادي التداول النقدي، كإلزام المؤسسات التجارية بتوطين رواتب العاملين لديها في حسابات مصرفيّة، وإلزام الزبائن بعدم تسديد أيّ فاتورة تفوق قيمتها 500  دولار إلا بموجب بطاقة دفع”.
كل هذه العوامل تخلق أجواء غير مريحة وتدفع الدول إلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في التعاطي مع كيان يصنّف عالي المخاطر.